( أرثوذكسيات- ٢٥ تموز ٢٠٢٠)
جاد غانم يكثر الحديث، في معرض قرار الحكومة التركية بتحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، عن مصير الفسيفساء والأيقونات الموجودة فيها، وعن كيفية الحفاظ على الروائع الفنية والمعمارية التي تحتويها وكيفية إتاحتها للجمهور. وقد دفع هذا الأمر الحكومة التركية إلى التأكيد مرارًا أنها ستحجب هذه الأيقونات فقط عند الصلاة، وبأنها ستفتح متحفًا متاخمًا لعرض الروائع الفنية والتحف الموجودة داخل الكنيسة. غير أن هذا الموقف، الذي يحصر أهمية هذا الصرح بقيمته الفنية والمعمارية، يتجاهل، على أهميته، مسألة جوهرية تتعلق بارتباط هذا المكان بشعب أصبح اليوم في تركيا من الأقليات، وبمصير هذه الأقليات المسيحية الموجودة في هذه الدولة، والتي لا يمكنها إلا أن ترى في هذا القرار، الذي يفتح جراح الماضي، تهديدًا لوجودها في هذه الدولة التي تتخلى بسرعة قياسية عن طابعها العلماني، وتدير ظهرها للغرب وقيَمه، وتتّجه نحو العودة إلى المرحلة العثمانية التي عانى المسيحيون من ويلاتها، لاسيما في مطلع القرن الماضي الذي انتهى بمآسٍ دفع ثمنها المسيحيون من أرمن ويونان وسريان وغيرهم، قتلًا وتهجيرًا. وفي هذا الصدد، بدا لافتًا جدًا موقف المطران إلبيذوفوروس، مطران القسطنطينية في أميركا الشمالية، الذي يحمل الجنسية التركية، والذي عاش في هذه الدولة، وسعى في السنوات الأخيرة لإعادة فتح معهد خالكي لتدريس اللاهوت، المقفل منذ العام ١٩٧١، دون أن ينجح. فقد اعتبر، في كلام شديد الوضوح في مقاصده، أن «إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد هو أسوأ مثال على الشوفينية الدينية. بإغلاق آيا صوفيا، أغلقت تركيا النافذة التي فتحها أتاتورك للعالم». كما عبّر عن خوفه من أن «تؤشّر الأخبار الرهيبة عن آيا صوفيا إلى تدهور موقف الحكومة التركية تجاه البطريركية المسكونية والأقليات المسيحية الأخرى في تركيا، وأن تكون تحوّلًا سلبيًا بالنسبة لاحترام الحرية الدينية». ولعل هذا الكلام الجريء، لشخص يُعتبر من أبرز المرشحين لخلافة البطريرك برثلماوس، يعبّر بشكل لا لبس فيه عن القلق الذي أثاره هذا القرار في صفوف الأقلية اليونانية في اسطنبول، التي عانت خلال العقود الماضية مِن تَحكُّم الدولة في مصيرها، ومن الاضطهاد المباشر وغير المباشر الذي طالها والذي قاد إلى ضمورها وأدى إلى هجرة أبنائها الكثيفة. وعليه، فإن أي حديث اليوم عن الحفاظ على التراث الفني لآيا صوفيا لن يؤدي إلى طمأنة هذه الأقلية، وغيرها من الأقليات المسيحية في البلاد، التي لا ينفصل مصيرها ومستقبلها عن مصير ومستقبل الأماكن التابعة لها أو تلك المرتبطة بتاريخها. ولعل هذه الأقليات، التي استطاعت أن تتكيف مع الظروف الصعبة التي تلت سقوط السلطنة العثمانية، والتي تجاهد للبقاء، بالرغم من الصعوبات والعوائق الكثيرة التي تعترض وجودها، لن تجد اليوم في الأغنية التي تروِّج لها السلطات التركية لمناسبة إقامة الصلاة الإسلامية الأولى في آيا صوفيا، والتي تقول «آيا صوفيا... دعي رياح الحرية تهبّ في قبّتك. لطالما كنتِ لنا ونحن لكِ»، والتي يُنشدها مسلمون من مختلف أنحاء العالم، سوى تشويه لتاريخ هذه الكنيسة التي بناها المسيحيون وصلّوا فيها لقرون قبل أن تسقط مع سقوط المدينة. وهم حتمًا سيشعرون بأن هذه «الشوفينية الدينية» المستعادة تنتقص من «حريتهم الدينية»، وتهدد مصيرهم ومستقبلهم في أرض عادت تعتبرهم «من بقايا السيف». فهل يلتفت العالم الذي تجنّد لاستنكار ما حصل لآيا صوفيا من أجل حماية هذه الأقليات في أرض أجدادها والتي صارت تشعر اليوم بأنها ليست أكثر من مشروع مهاجرين أو مشروع شهداء؟
0 Comments
24-07-2020
جاد غانم في الوقت الذي يحتفل فيه الرئيس التركي أردوغان اليوم محاطًا بعدد من رؤساء الدول الإسلامية، ومعهم عدد كبير من الأتراك والمسلمين حول العالم، بتحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد اليوم، من خلال إقامة أول صلاة إسلامية فيها بعد ٨٦ سنة، سوف يستجيب عدد كبير من المواطنين اليونان والمؤمنين الأرثوذكس حول العالم للنداء الذي أَطلقَه مطارنة الكنيسة الأرثوذكسية التابعة للقسطنطينية في الولايات المتحدة الأميركية، والمجمع المقدس لكنيسة كريت، والمجمع المقدس لكنيسة اليونان، لاعتبار هذا اليوم يوم حداد وحزن، ولرفع صلاة المديح الذي لا يجلس فيه لوالدة الإله «رجاء اليائسين الوحيد... التي بها تضمحل اللعنة»، ولقرع أجراس الكنائس حزنًا. وفي الوقت ذاته، تستمر المواقف الكنسيّة المنددة بقرار الرئيس التركي بتحويل هذه الكنيسة إلى مسجد، إذ: - أصدرت كنيسة بلغاريا بيانًا، اعتبرت فيه أن «معبد آيا صوفيا، باعتباره مكانًا مقدسًا خلال الألفية لجميع المسيحيين ومركزًا روحايًا للأرثوذكسية، فهو عزيز على كل قلب مسيحي ويمثّل قيمة ثقافية استثنائية للبشرية جمعاء... ولهذا السبب فإن كنيسة بلغاريا تضم صوتها إلى نداءات الكنائس الأرثوذكسية المحلية الشقيقة، وكذلك إلى أصوات عدد من قادة الدولة والمؤسسات الدولية، للحفاظ على الوضع الحالي لآيا صوفيا كمتحف وموقع للتراث العالمي لليونسكو». وفيما أعرب البيان عن «احترام الكنيسة البلغارية لمؤسسات الدولة التركية»، دعا «إلى الحكمة وحسن النية في حل هذه القضية المهمة باسم الحفاظ على العلاقات القائمة بين الأديان وعلى حسن الجوار بينها». - أصدرت كنيسة التشيك والسلوفاك بيانًا، عبّرت فيه عن «حزن المؤمنين فيها على تحويل آيا صوفيا، وهي واحدة من أهم الصروح التراثية في العالم، إلى مسجد». وإذ اعتبر البيان أن خطوة أتاتورك تُعتبر «نهاية رمزية للصراع وبداية التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين» على عكس الخطوة الحالية التي قام بها أردوغان، دعوا إلى الصلاة لكي يُلهم الله هذا الأخير «إعادة النظر في قراره، والحفاظ على وضع آيا صوفيا كمتحف، لأن هذا الأمر مقبول من قبل كل من المؤمنين والمجتمع العلماني». بالطبع لن تفيد بيانات الاستنكار في تغيير الواقع الحالي، والذي بموجبه أصبح هذا الصرح مسجدًا. ولن يغير هذا القرار في مشاعر الكثير من المؤمنين الذين لا يرون في هذا الصرح إلا كنيسة سليبة. ولكن يبقى الرجاء بألا يتحوّل هذا المكان المقدس في نظر المسيحيين والمسلمين، والمكرس للحكمة الإلهية، إلى رمز لغياب الحكمة البشرية بسبب بعث العداوات بين الشعوب والانزلاق إلى الكراهية بين المسيحيين والمسلمين، وتأجيج التطرُّف الدِّينيّ والقوميّ والتعصُّب في العالم، خدمةً لمشاريع سياسية، الدين منها براء. 23-07-2020
جاد غانم شهدت الأرثوذكسية الفرنسية في الأيام الماضية تطورات مهمة تتعلق بما كان يُعرف سابقًا بالإكسرخوسية الروسية في أوروبا الغربية، التي عادت، بعد حلّها من قبل القسطنطينية، إلى حضن بطريركية موسكو، حيث أصبحت تتمتع ضمنها بنظام إدارة خاص، يحافظ على تراثها وعلى استقلالها في إدارة شؤونها الداخلية، ويعطي المجمعَ الروسي حق الإشراف عليها وتثبيت انتخاب رئيسها والمطارنة فيها. وفي هذا الصدد، شهدت الكاتدرائية التابعة لهذه الأبرشية في باريس، في نهاية شهر حزيران الماضي، رسامة الأسقفين المنتخبين من قبل جمعيتها العمومية، واللذين سيشكلان مع مطرانها المجلسَ الأسقفي لهذه الأبرشية التي حالت القسطنطينية في السابق دون تشكيله من خلال رفضها انتخاب أساقفة مساعدين على الإكسرخوسية السابقة. وفي المقابل، دعا مطران فرنسا عمانوئيل إلى اجتماع للرعايا التي تركت هذه الأبرشية ورفضت الانضمام إلى موسكو، تمّ خلاله استحداث ما يُعرف بالنيابة الكنسية الروسية ضمن الأبرشية التابعة لبطريركية القسطنطينية في فرنسا، وتمّ انتخاب أحد الكهنة نائبًا أسقفيًا عليها. وقد اعتبر البطريرك برثلماوس، في رسالة وجّهها إلى المجتمعين، «أن هذه النيابة الكنسية تشكل جزءًا لا بتجزأ من أبرشية القسطنطينية في فرنسا»، وأن هذا التعديل في التنظيم الإداري لن «يقلل من إشعاع الأرثوذكسية في فرنسا». كما شدّد على أن هذا القرار: - ينسجم مع «رسالة ودعوة البطريركية المسكونية في الحفاظ على وحدة الأرثوذكسية من خلال احترام القواعد الإكليزيولوجية التي بموجبها يُعتبر الأسقف المحلي الأسقف الوحيد الذي تقام الإفخارستيّا باسمه والذي يتولى المسؤوليات الرعائية والإدارية». - يندرج ضمن رسالة «البطريركية المسكونية في خدمة كل الأرثوذكس من دون أي تمييز في جنسيتهم أو في أصولهم العرقية». لا يمكن، لمن يقرأ رسالة البطريرك برثلماوس هذه، إلا أن يتعجب من هذه اللغة التي يكررها والتي تدلّ على: - أن القسطنطينية كانت على خطأ خلال ما يقارب القرن لمّا قامت برسامة أساقفة على ما كان يُعرف بالإكسرخوسية. - وأنها ما زالت ترتكب هذه الخطأ الإكليزيولوجي نفسه في أميركا الشمالية حيث يتبع لها عدد كبير من المطارنة وفقًا لاعتبارات عرقية. - وأن التنظيم الكنسي، ضمن «نيابات كنسية» وفقًا لاعتبارات عرقية تخضع للمطران اليوناني، إنما يكرّس العرقية وهيمنة العرق اليوناني على غيره من الجنسيات والأعراق التي لا يحق لها أن يكون لها أساقفة من بينها. ولعل الأغرب في كلام البطريرك برثلماوس أنه يتجاوز قرار «مجمع كريت» الذي كرّس وجود المجلس الأسقفي في فرنسا، والذي شارك المتروبوليت يوحنا (رونوتو)، الذي انضم إلى بطريركية موسكو، في أعماله من ضمن الوفد القسطنطيني. ولعل كل ما تقدم، إن دلّ على شيء، فهو يدل على التخبط الإكليزيولوجي الذي تعاني منه القسطنطينية، والذي يجعلها تُقارب المسائل الكنسية وفقًا لقاعدة «كل شيء مباح لي» طالما أنه يخدم نظرية «الأولية التي لا مثيل لها»، والحرب مع كنيسة موسكو. 22-07-2020
جاد غانم فيما يستمر اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية في الجبل الأسود من قبل السلطات المحلية، وجّه غبطة البطريرك الروسي كيرلس (الأول) نداءً إلى هذه السلطات، حثها فيها على وقف هذا الاضطهاد. وقد جاء في هذا البيان: «أسمع بألم عن الأحداث في الجبل الأسود، حيث يتم تنفيذ عمليات اضطهاد واسعة النطاق وموجّهة ضد الكنيسة الأرثوذكسية الشرعية. فقبل ستة أشهر، تم اعتماد قانون تمييزيّ يهدف إلى تأميم ممتلكات الكنيسة، وبشكل خاص الكنائس والأديرة. كما يتم تقديم وعود لإنشاء «كنيسة مستقلة ذاتيًا»، بمشاركة المنشقّين المحليين. يزداد الضغط على المؤمنين باطّراد. والآلاف منهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في التحمّل ولا يريدون تحمّله. وقد أصبح عدم احترام كرامة الكهنوت والإذلال العلني لرجال الدين من قبل المسؤولين الحكوميين هو القاعدة. وهذا في بلد يدين بتكوينه كدولة للكنيسة، وقد كانت هناك فترة تعود إلى قرون عندما كان المتروبوليت ليس فقط رئيس الكنيسة، ولكن أيضا رئيس السلطة المدنية! أصبحت عمليات الاعتقال والاستجواب للمطارنة ورجال الدين والعلمانيين أمرا شائعا. واضطر بعضهم إلى تحمّل السجن في مراكز الشرطة، بينما اضطر آخرون إلى مغادرة البلد على وجه السرعة بناء على طلب السلطات. الناس لا يُخفون أن مسألة مصير الكنيسة وتراثها هي الأساس بالنسبة لهم. وهو فوق كل القوانين والمراسيم. مئات الجنود والأطباء والمعلمين والمحامين يُعربون عن دعمهم للكنيسة. كل الأشخاص مهددون بالتمييز ضدهم. ولكن لا يستبعدون المضيّ في طريق الاعتراف. إنني أحث السلطات المدنية في الجبل الأسود على إلغاء القانون التمييزيّ الذي أدخل الانقسام والانشقاق في مجتمع الجبل الأسود، ووقف اضطهاد الكنيسة الأرثوذكسية، والامتناع عن محاولة إنشاء كيان كنسيّ مختلف في مكانه. لا يمكن لحاكم الدولة العلمانية أن ينشئ. ولا توجد ولا يمكن أن تكون هناك أي من الاعتبارات التي تبرر زحف الدولة لمصادرة الأماكن المقدسة التابعة للكنيسة على امتداد الوطن. ويمكن رؤية الثمار المريرة لهذه السياسة في أوكرانيا، حيث فشلت محاولة «توحيد الشعب» من خلال إنشاء «كنيسة محلية» جديدة. هذه المغامرة عمّقت الانقسام وجلبت المعاناة لملايين الأوكرانيين الأرثوذكس. وليس من المستغرب أنها وَضعت حدًّا للعمل السياسي لصاحب هذا المشروع. صلاتي الحارة هي مع الرؤساء الأرثوذكس ورجال الدين في الجبل الأسود، مع الشعب الحَسَن العبادة، الذي يرتبط بشعوب الروسيا من خلال روابط الوحدة في الإيمان منذ قرون. لا شيء يمكن أن يهزّ هذه الوحدة، ولا يمكن لأي اضطهاد أن يكسر إرادة الشعب الراسخة للدفاع عن الأرثوذكسية المقدسة. أعلم أن إخواننا في هذا البلد المجيد يتذكرون كلمات المسيح المخلّص، التي عزّت قلوب أسلافهم الأبطال، وهي الآن موجهة إليهم: «في العالم سيكون لكم ضِيق. لكن ثِقوا: لقد غَلبتُ العالم» (يوحنا ١٦: ٣٣)». لا شك أن الكنيسة الشرعية في الجبل الأسود تحتاج إلى دعم الكنائس الأرثوذكسية المحلية، ومن بينها الكنيسة الروسية، في محنتها الحالية. ولكن هل يساهم تسييس هذه المسألة، ومقارنتها بالمسألة الأوكرانية، والإيحاء بأن مصير رئيس البلاد يمكن أن يكون مشابهًا لمصير الرئيس الأوكراني السابق بُروشنكو مفيدًا للمؤمنين في البلاد؟ وكيف؟ أوَليس من الأجدى تحييد هذه الكنيسة الصغيرة عن صراعات القوى العظمى؟ 21-07-2020
جاد غانم أدلى رئيس أساقفة ألبانيا، أناستاسيوس، بموقف لافت بشأن قرار الحكومة التركية بتحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. فلفت إلى أن «هذا القرار ليس نوعًا من «الجهاد» الثقافي أو «الحرب المقدسة» فحسب، في وقت يُدان فيه الجهاديون دوليًا، ولكنه أيضًا إهانة موجّهة ضد المسيحية والإسلام». واعتبر أنهم «قد حوّلوا كنيسة المسيحية الواحدة وغير المنقسمة إلى مسجد. وهم يحاولون إخفاء وجهها الجميل، وجعل أيقوناتها الرائعة عديمة الفائدة، وإخفاء عيونها المعبرة... وبالإضافة إلى ذلك، افتتحوا نوعًا غريبًا من المساجد، نوعًا غريبًا عن المسجد الإسلامي الكلاسيكي، مع إخفاء الرموز المسيحية، التي لا تتوقف في صمتها البليغ عن حمل شهادة الحقيقة المسيحية. لا أعرف ما إذا كان هناك مكان إسلاميّ مماثل للعبادة في العالم». وأضاف رئيس أساقفة ألبانيا: «إن عناد السلطات التركية يُبرز ما سلّطنا الضوء عليه في العقود الأخيرة، وهو أن العنف باسم الدين ينتهك حرمة الدين نفسه. وبأنه لا يحق لأي شخص، بغض النظر عن مدى قوّته وعظمته، أن يحتقر هذه الحقيقة العالمية». وفي السياق ذاته، اعتبر مفتي الديار المصرية أن «الدين الإسلامي يمنع تحويل الكنائس الموجودة إلى مساجد»، وأنه «يجب الحفاظ على الكنائس الموجودة كما هي». أما المعهد الكندي للإسلام الإنساني فقد اعتبر أن قرار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بتحويل متحف آيا صوفيا، «مخالف للقيم الكلية الإسلامية التي تحترم بشكل مطلق حرية الاعتقاد، وترفض رفضًا قاطعًا أي اعتداء على الآخر المختلف في الدين أو اللون أو الجنس، بما يتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أنه يسيء إلى صورة المسلمين أمام العالم ويحوّلهم إلى مجرمين يعتدون على حقوق غيرهم». ولعله مهما كانت القراءات الدينية المختلفة لهذه المسألة، فلا بد من قراءة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد باعتبارها، كما أشار الكاتب التركي أورهان باموك، الحائز على جائزة نوبل للآداب، رسالة من تركيا، أرادت فيها «القول لباقي العالم للأسف أننا لم نعد علمانيين». وحتى لو كان «هناك ملايين الأتراك العلمانيين من أمثال الكاتب «يبكون ضد هذا القرار»، فإن «أصواتهم ستبقى غير مسموعة». لا شكّ أن الأرثوذكسية، التي يرتبط مستقبل البطريركية التي تحتل المركز الأول فيها بتداعيات السياسة التركية، قد شعرت بالإساءة الكبيرة من القرار المذكور، الذي فتح جروح التاريخ القديم، وأعاد عقارب الزمن إلى أيام الفتوحات التي كانت قد ظنت أنها ولّت إلى غير رجعة، لاسيما بعد أن دخلت في حوار رسمي مع الإسلام منذ سنوات. غير أن البعد الديني لهذه القضية، على أهميته، لا ينبغي أن يحجب البعد السياسي لهذه المسألة، التي ليست إلا جزءًا بسيطًا من محاولات تهدف إلى إعادة التفاوض على اتفاقية لوزان، التي سمحت، من ضمن الأمور التي تناولتها، ببقاء بطريركية القسطنطينية في اسطنبول، بشرط أن ينحصر دورها في الاهتمام بالشؤون الدينية للأقلية اليونانية في المدينة، وأن تُقلع عن ممارسة أي دور سياسي أو ذات طابع مسكوني. يبقى الخوف من أن يكون ما حصل مؤخرًا لآيا صوفيا بداية لمرحلة قلق واضطراب للأقلية الأرثوذكسية في المدينة يشبه ما عاشته في عشرينات القرن الماضي! 20-07-2020
جاد غانم تستمر الكنائس الأرثوذكسية في التعبير عن استنكارها لقرار الحكومة التركية بتحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. فبالإضافة إلى المواقف التي صدرت عن عدد كبير من المطارنة التابعين للكنيسة في اليونان، صدر في الأيام الماضية عدد من المواقف الرسمية لكل من: - المجمع المقدس لكنيسة اليونان الذي اعتبر أن تحويل آيا صوفيا ينقل هذا الصرح الثقافي إلى «رمز للفتح»، ويستخدمه كأداة «لإهانة الكنيسة الأرثوذكسية والمسيحيين في جميع أنحاء العالم». كما طالب منظمة الأونسكو بأن تعترض على تحويل هذا الصرح إلى مسجد لأن هذا القرار يمنع الوصول إليه بحرية ويهدد التراث المسيحي فيه. - المجمع المقدس لكنيسة قبرص الذي عبّر عن «الحزن الشديد والقلق» بسبب هذا القرار، وعن خيبته نتيجة عدم «اتخاذ أية إجراءات ضد الذين يهينون يوميًا الإيمان المسيحي وقيم ثقافتنا»، لاسيما وأن تركيا منذ العام ١٩٧٤ تقوم بتدنيس المقدسات المسيحية في قبرص. كما أشار المجمع القبرصي إلى أن تركيا قررت الابتعاد عن القيم الأوروبية والعودة إلى الفكر العثماني، كما دعا من أجل «السماح للبطريركية المسكونية، المالك الفعلي لآيا صوفيا، بإقامة القداس الإلهي للمسيحيين فيها، على أن تقام صلاة المسلمين في جزء آخر». - البطريرك الصربي إيريناوس الذي اعتبر أن «أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة والشاهد على التعايش التاريخي الطويل بين المسلمين والمسيحيين، قد وجد حلاً وسطًا معقولًا (يراعي واقع أن آيا صوفيا كانت كنيسة ومسجدًا على التوالي) لتحويل هذه الكنيسة إلى متحف مفتوح للجميع، حيث لم يحرم أي من المؤمنين، مسيحيين أو مسلمين، من إمكانية الصلاة للرب بصمت فيها، بروح إيمانه الشخصي وتقاليده. وبالتالي، فإننا نعتبر إلغاء قرار أتاتورك وإعادة تحويل آيا صوفيا من جانب واحد إلى مسجد ليس فقط ظلمًا تاريخيًا، هل هو أيضًا حركة سياسية متسرعة وغير ضرورية، تضر بالصورة الدولية لتركيا في العالم والعلاقات والثقة على حد سواء بين المسيحيين والمسلمين في العالم. نأمل أن يُدرك الجميع أن المستقبل لا يجب أن يقوم على مواجهة بشكل مصطنعة بين ديانتين عالميتين كبيرتين، المسيحية والإسلام، ولكن على السلام بين المؤمنين... وكذلك الحوار والتعاون في كل ما يخدم المصلحة العامة للناس والشعوب، دون المساس بالهوية الدينية والثقافية لأي شخص. برأينا، فإن الحل العادل الوحيد، إذا كان من تغيير لقرار كمال باشا، فهو الحفاظ على وضع المتحف، وإعطاء الإذن للعبادة فيه ليس فقط للمسلمين ولكن للمسيحيين أيضًا. فالكنيسة رحبة بما يكفي لتوفّر مساحة للجميع ليعبدوا الله دون عوائق». - رئيس أساقفة فنلندا، ليو، الذي اعتبر أن القرار بشأن آيا صوفيا ليس «إهانة فقط للمسيحيين الذين بنوها، ولكنه إهانة أيضًا للبشرية جمعاء». وإلى هذه المواقف، دعا مطارنة الأبرشية التابعة للقسطنطينية في الولايات المتحدة إلى قرع الأجراس حزنًا يوم الجمعة في ٢٤ تموز، التاريخ الفعلي لتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ورفع صلاة المديح لوالدة الإله أينما كان، وتنكيس الأعلام في الكنائس والمؤسسات الكنسية. 18-07-2020
جاد غانم عبّر المطران أنطوان، مدبّر الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الشرعية، عن اقتناعه بأن «الرئيس التركي يعبّر منذ سنوات عن رغبته في تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ولكن الفنار ترك مسألة الدفاع عن أهم كاتدرائية بيزنطيّة، وفضّل الاهتمام بالمسألة الأوكرانية، وخلق المشاكل لملايين المؤمنين الأوكرانيين، وللأرثوذكسية العالمية». وأشار إلى أن اندراج الكنيسة في السياسة وتغليب الاعتبارات الجيوسياسية على المصالح الكنسيّة غالبًا ما ينتج عنه «عقاب إلهيّ»، مشددًا على أن مهمة الأوّل في الكنيسة الأرثوذكسية يجب أن تقتصر على «الاهتمام بالاستقرار داخل الكنيسة الأرثوذكسية وبالحفاظ على الحقيقة». وقد لاقى المجمع المقدس لبطريركية موسكو هذا الموقف في البيان الذي أصدره بشأن آيا صوفيا، إذ اعتبر أن «التفكك الأرثوذكسي» بسبب أوكرانيا «أضعف قدرة الأرثوذكس على مواجهة التهديدات الروحية الجديدة والتحديات الحضارية». وقد جاء في هذا البيان ما تعريبه: «يُعرب المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن أسفه العميق في ما يتعلق بقرار قيادة الدولة في تركيا بحرمان كنيسة آيا صوفيا من وضعها كمتحف، وتحويل استخدامها لصلاة الجماعة المسلمة. لقد تم اتخاذ القرار المذكور دون مراعاة الالتماسات والمواقف الواضحة بوضوح لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية المحلية وممثلي الدول الأجنبية والعديد من المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان ورجال الدين من مختلف الطوائف والتقاليد الدينية. وهذا القرار يسيء إلى المشاعر الدينية لملايين المسيحيين في جميع أنحاء العالم، مما قد يؤدي إلى تعطيل التوازن بين الأديان والتفاهم المتبادل بين المسيحيين والمسلمين، ليس فقط في تركيا نفسها، ولكن أيضًا في أماكن أخرى. وفي وقتٍ تُعتبر فيه المسيحية ديانة مضطهَدة في العديد من الأماكن على هذا الكوكب، وإذ يستمر نزوح المسيحيين من دول الشرق الأوسط، فإن هذا القرار الذي اتخذته السلطات التركية يسبب ألمًا عظيمًا. لقد بُنيت كنيسة آيا صوفيا تكريما للمسيح المخلّص، وهي لا تزال كنيسة في وعي الملايين من المسيحيين. وهذه الكنيسة لها أهمية تاريخية وروحية خاصة للكنيسة الأرثوذكسية. وإذ نخاطب الكنائس المحلية الشقيقة، نلاحظ مع الأسف الشديد أن العالم الأرثوذكسي يواجه أحداثًا اليوم غير سعيدة للكنيسة الأرثوذكسية، وهو يعاني من التفكك الناتج بشكل مباشر عن التشريع غير القانوني للانشقاق في أوكرانيا والذي أضعف قدرة الأرثوذكس على مواجهة التهديدات الروحية الجديدة والتحديات الحضارية. الآن، في عصر يتزايد فيه مرض الخوف من المسيحية ويتعاظم الضغط على الكنيسة من المجتمع العلماني، أصبحت الوحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى. ندعو الكنائس المحلية الشقيقة إلى العمل معًا بروح السلام ومحبة المسيح لإيجاد مخرج من هذه الأزمة. ونأمل أن تبذل السلطات التركية الجهود اللازمة للحفاظ على الفسيفساء المسيحية التي لا تقدَّر بثمن والتي بقيت قائمة بأعجوبة، وأن تتيح الوصول إليها للحجاج المسيحيين. وإذ نعرب عن الأمل في استمرار الحفاظ على الاحترام المتبادل والتفاهم بين المؤمنين من مختلف الديانات العالمية وتعزيزه، نناشد المجتمع الدولي أيضًا تقديم كل المساعدة الممكنة في الحفاظ على الوضع الخاص لكنيسة آيا صوفيا، ذات الأهمية الدائمة لجميع المسيحيين». لا يمكن لمن يقرأ موقف المطران أنطوان، وبيان الكنيسة الروسية، إلا أن يأسف للربط بين مصير آيا وصوفيا والمسألة الأوكرانية، وأن يتساءل ألم يكن من الأفضل أن تترفّع كنيسة موسكو عن ذكر المسألة الأوكرانية في بيانها هذا، خصوصًا وأنها لا تجهل أن مصير هذه الكاتدرائية لم تُملِه الاعتبارات الكنسية بل الاعتبارات السياسية والجيوسياسية الاقليمية والعالمية والتي لا يمكن للفنار أن يؤثّر بمجرياتها. 17-07-2020
جاد غانم ما زالت قضية تحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد تتفاعل، لاسيما بعد التصريحات المتكررة الصادرة عن المسؤولين الأتراك، وخصوصًا تلك التي اعتبرت أن هذه «الكنيسة كانت خربة» لما احتل العثمانيون القسطنطينية، وأنهم هم الذين حافظوا عليها وجعلوها في ألقها الحالي. وفي هذا الصدد، لفت بيانان صادران في الولايات المتحدة الأميركية، الأول عن مجلس الأساقفة الأرثوذكس فيها، والثاني صادر عن مطران القسطنطينية الأرثوذكسي فيها ورئيس الأساقفة الكاثوليكي في نيويورك. وقد جاء في البيان الأول: «بصفتنا مواطنين في الولايات المتحدة الأميركية، نناشد حكومتنا التدخل لإلغاء هذا القرار. علاوة على ذلك، نحث الحكومة التركية على العودة إلى الوضع حيث تظل آيا صوفيا متحفًا، ويحترم أصولها وتاريخها على حد سواء... فهذا العمل الأحادي يسيء إلى الطابع العالمي لهذا المكان. فآيا صوفيا تنتمي إلى البشرية جمعاء كموقع للتراث العالمي... نحن قلقون بشكل خاص من الآثار السلبية لهذا التغيير على التعددية الدينية في تركيا، وكذلك على العلاقات بين الدولة وبين الهيئات الدينية. ندعو المجتمع الدولي إلى دعوة السلطات التركية لمراجعة قرارها، وإتاحة الفرصة لجميع الناس لمواصلة الاستمتاع بالتاريخ الكامل والغني والجمال لهذا المعلم البارز. يجب أن يبقى هذا الصرح المسيحي الفريد مفتوحًا للجميع كعلامة على التعايش والسلام بين جميع الشعوب وعلى النوايا الحسنة». أما البيان الثاني فقد تضمن: «بصفتنا إخوة في المسيح، وقادة مجتمعاتنا هنا في نيويورك، نأسف وندين قرار الحكومة التركية بتغيير الوضع الراهن للصرح الشهير آيا صوفيا، وإعادة تحويل هذا الإنجاز البشري والإلهي إلى مسجد. لقد كانت آيا صوفيا على مدى ما يقرب من ألف عام ليس فقط أعظم كنيسة في العالم، ولكن أكبر صرح كذلك. كان الغرض منه أن يكون مكانًا للعبادة المسيحية بامتياز. عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية عن طريق الفتح، وتم تحويل الكنيسة العظمى إلى مسجد، تمّ ذلك في حقبة كانت تعتمد على العنف في معالجة الأمور. لكن هذه ليست الطريقة التي نعيش بها اليوم. إن إنشاء دولة تركيا الحديثة هو مرادف للعلمانية التي تشمل الجميع. ومن خلال تغيير وضع آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، أظهر الرئيس أتاتورك هذا الصرح العالمي ليكون علامة على الانتقال من إمبراطورية ثيوقراطية، إلى دولة علمانية تقدّر المساواة بين جميع مواطنيها. نؤكد الحكمة من هذا القرار السابق، وندعو إلى التراجع عن السياسة الحالية للحكومة التركية لتغيير وضع آيا صوفيا. نقف معًا، كإخوة في الإيمان، بالتضامن مع جميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة، حتى تبقى آيا صوفيا كما هي، رمزًا للقاء والتاريخ، والتطلع الروحي والإنجاز البشري على أعلى المستويات، تمجيدًا للإله الواحد الذي جعلنا جميعًا إخوة وأخوات في عائلة إنسانية واحدة». لعل أكثر ما يلفت في هذين البيانين أنهما موقَّعان من قبل المطران إلبيذوفوروس، مطران القسطنطينية في الولايات المتحدة الأميركية، والذي يحمل الجنسية التركية، وأقرب مساعدي البطريرك برثلماوس. فهل يشكّل مضمونهما الموقف القسطنطيني الرسمي من مسألة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد؟ 16-07-2020
جاد غانم لقد وعد الرئيس التركي أردوغان شعبه، في مقابلة أجرتها معه في عام ١٩٩٤ مجلة «المجتمع» الكويتية، بعد فوزه في الانتخابات كرئيس لبلدية اسطنبول، بأنه سوف يعيد «آيا صوفيا» إلى مسجد. وقد حقق وعده مؤخرًا، بعد طول انتظار. وها هي آيا صوفيا تستعد، في الرابع والعشرين من تموز، لاستضافة أول صلاة إسلامية فيها، بعد ٨٦ سنة من تحويلها إلى متحف. وقد قوبل قرار الرئيس التركي هذا، بتحويل الكنيسة من متحف إلى مسجد، بمجموعة من المواقف الدولية من بينها: - موقف الخارجية الروسية التي اعتبرت أن «مسألة آيا صوفيا تتمحور حول شؤون تركيا الداخلية، التي بالطبع لا ينبغي لنا ولا للآخرين التدخل فيها»، والتي «لفتت الانتباه إلى أهمية هذا الموقع للثقافة والحضارة العالميتين»، في وقت أكد الرئيس التركي للرئيس الروسي في اتصال هاتفي بأن تركيا ستحافظ على الآثار المسيحية في آيا صوفيا. - موقف وزير خارجية اليونان الذي اعتبر أن «الخطورة هو أن نعتبر قضية آيا صوفيا قضية يونانية - تركية، وليس قضية عالمية». فهذه المسألة تتعلق « بإلغاء القواعد وعدم احترام المجتمع الدولي». - موقف الخارجية الأميركية التي اعتبرت أن قرار الحكومة التركية قد «خيّب أملنا»، ولكننا «نتطلّع إلى سماع خطط الحكومة التركية في ما يتعلّق بالإشراف المستمر على آيا صوفيا لضمان بقائها مفتوحة أمام الجميع من دون أي عوائق». - موقف وزير خارجية فرنسا الذي اعتبر أن «فرنسا تعرب عن أسفها لقرار مجلس الدولة التركي بشأن تغيير وضع متحف آيا صوفيا ومرسوم الرئيس رجب طيب أردوغان حول نقل الإشراف عليه إلى إدارة الشؤون الدينية»، وأن هذا القرار «يعرّض للخطر إحدى أبرز الخطوات الرمزية في تاريخ تركيا المعاصرة والعلمانية». - موقف الخارجية الألمانية الذي اعتبر أن «آيا صوفيا لها أهمية تاريخية ثقافية كبيرة، ولها أهمية دينية كبيرة، سواء بالنسبة للمسيحية أو الإسلام، ونحن نضع أهمية كبيرة على هذا الحوار بين الأديان»، والذي أضاف أن «وضع «آيا صوفيا» كمتحف منح أتباع كافة التوجّهات العقائدية فرصة لدخول حر لهذه التحفة الرائعة والتراث الثقافي العالمي في كافة الأوقات، مضيفًا أنه يبقى الآن انتظار كيف سيتمّ توفير هذا الأمر في المستقبل». - موقف منظمة اليونسكو الذي شدّد على أنه «من المهم تجنّب أي إجراء تنفيذي، دون مناقشة مسبقة مع اليونسكو، من شأنه أن يؤثر على الوصول المادي إلى الموقع، أو هيكل المباني، أو الممتلكات المنقولة للموقع، أو إدارة الموقع». ربما «سيغذّي قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد «عدم الثقة، وسيعزز تجدد الانقسامات بين الطوائف الدينية، وسيقوّض جهود الحوار والتعاون»، كما جاء في موقف وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. ولكنّ معظم الدول ستتعاطى مع هذا القرار باعتباره شأنًا داخليًا تركيًا، وستنظر إلى علاقتها مع تركيا وفقًا لمصالحها الاستراتيجية والسياسية، ولن تقف آيا صوفيا حائلًا دون تنمية وتطوير وتفعيل هذه العلاقات. 15-07-2020
جاد غانم تستمر مسألة تحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد في إثارة الاهتمام على الصعيدين السياسي والكنسي، بالإضافة إلى مشاعر النشوة التي لاقاها هذا القرار في العالم الاسلامي المتطرف، ومشاعر الحزن والخيبة التي قابل بها العالم المسيحي هذا القرار، ومشاعر القلق التي تركها في نفوس الذين رأوا في هذا القرار تعدًيًا على الحريات الدينية وعلى المعالم الثقافية التابعة للتراث العالمي. وفي هذا الصدد: - عبّر قداسة البابا فرنسيس الأول عن الجرح الذي تركه في نفسه هذا القرار؛ - اكتفى الاتحاد الأوروبي ببيان عبّر فيه عن أسفه لهذا القرار؛ - أرفقت وزارة الخارجية الروسية أسفها لهذا القرار مع تمنياتها بأن تكشف الحكومة التركية عن آلية تنظيم الوصول إلى هذا الصرح للجميع. - دعا المرشح الرئاسي الأميركي جو بايدن إلى الإبقاء على آيا صوفيا كمتحف وإتاحة الوصول إليها للجميع؛ - اعتبر رئيس أساقفة قبرص أن «تركيا لم تتعلم احترام الثقافة، لأنها لا تنتج ثقافة». وإذ ذكّر بالأضرار التي لحقت بالكنائس والأديرة في الجزء المحتل من قبرص، اعتبر أن تركيا «تدمّر الثقافات... والأتراك سيبقون فظّين، غير حضاريين، وغير مثقفين»؛ - اعتبر مطران ألكسندروبوليس، التابع لكنيسة اليونان، أن «الغرب يذرف دموع التماسيح» بشأن آيا صوفيا، ولكن الألم هو ألم يوناني، وشدد على أن هذه المسألة لن تتحول إلى مسألة دولية؛ - اعتبر المطران إغناطيوس، مطران ڤولوس في كنيسة اليونان، أن القرار بشأن آيا صوفيا نابع من الغطرسة والتعصب، وأنه يخدم الصورة التي يريد «أبو الاتراك الجديد» أن يرسمها عن نفسه؛ - أشار المطران سيرافيم، مطران بيريه في اليونان، الى أنه لا يجب الاتكال على المنظمات الدولية في مسألة آيا صوفيا. وشددّ على أن الأسباب التي قادت إلى ما حصل هي «عدم الوحدة بين الكنائس الأرثوذكسية المحلية، وبين الدول الأرثوذكسية التي تميل إلى «الهراطقة» بدل أن تتوحد في جبهة ارثوذكسية قوية». كذلك لفت المطران إلى ما أسماه «المأساة» التي قاد إليها خطأ منح الاستقلال الذاتي للمنشقّين في أوكرانيا وتداعياته على وحدة الأرثوذكس، وأمل أن يعي البعض نتائج هذا الخطأ. لعل ما تقدَّم يدل بوضوح على أن معظم المواقف المتعلقة بآيا صوفيا تندرج ضمن المقاربة السياسية البحتة لهذه المسألة، أو تشكل إسقاطات لآراء أصحابها ومخاوفهم على هذا الحدث. ولعل أخطرها هو الخطاب الذي يحارب الكراهية بالكراهية باسم المسيحية، والذي لا يتوانى عن تحميل شعب بأكمله نتيجة قرار أحد قادته. ويبقى السؤال: هل يبرر تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سقوط بعض القادة الأرثوذكس إلى أسفل دركات الحقد والكراهية؟ 14-07-2020
جاد غانم شكّل قرار تحويل كنيسة آيا صوفيا، من متحف إلى مسجد، صدمة للعالم المتحضّر الذي كان يرى في هذا الصرح، الذي يُعتبر مَعلمًا من معالم التراث العالمي، مكانًا يخصّ جميع الأديان والثقافات، ونافذة من نوافذ التلاقي والتفاعل الحضاري بين الشعوب والأديان المختلفة. وقد ترك هذا القرار جرحًا في نفوس الأرثوذكس الذين يَعتبرون هذه الكنيسة من أهم رموزهم الدينية. وقد أطلق عدد من مطارنة كنيسة القسطنطينية، في أبرشيات الانتشار، مواقف في هذا الصدد، عوّضت عن صمت البطريرك برثلماوس القَسريّ. وفي هذا المجال، برز: - موقف مطران القسطنطينية في أميركا إلبيذوفوروس الذي اعتبر أن «إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد هو أسوأ مثال على الشوفينية الدينية. بإغلاق آيا صوفيا، أغلقت تركيا النافذة التي فتحها أتاتورك للعالم». وقد عبّر عن خوفه من أن «تؤشّر الأخبار الرهيبة عن آيا صوفيا إلى تدهور موقف الحكومة التركية تجاه البطريركية المسكونية والأقليات المسيحية الأخرى في تركيا، وأن تكون تحوّلًا سلبيًا بالنسبة لاحترام الحرية الدينية». - موقف مطران القسطنطينية في أستراليا مكاريوس الذي عبّر عن حزنه وألمه لهذا القرار، واعتبر أن بعض القرارات التي «تبدو شجاعة تنمّ في الحقيقة عن تفاهة وعن تعصّب ديني». كما شدّد على أن هذا القرار «قد كُتب بحروف سوداء... وهو غير عادل في المقام الأول لشعب تركيا ومستقبله، ويثبت عدم الاحترام لذكرى مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك». وأكدّ أن آيا صوفيا ستبقى بالنسبة للأرثوذكس رمزًا أبديًا... وهي تنتمي الى العالم كله، ولن يستطيع أحد إلغاء هذه الحقيقة ولا الواقع التاريخي». - موقف مجلس الأساقفة في أميركا الذي يرأسه المطران إلبيذوفوروس، والذي حث الحكومة التركية على «العودة إلى الوضع السابق حيث تظل آيا صوفيا متحفًا، يحترم أصولها وتاريخها»، وعبّر عن القلق «بشكل خاص من الآثار السلبية لهذا التغيير على التعددية الدينية في تركيا، وكذلك على العلاقات بين الدول وبين المنظمات الدينية». كما دعا «المجتمع الدولي إلى دعوة السلطات التركية لمراجعة قرارها، وإتاحة الفرصة لجميع الناس لمواصلة الاستمتاع بالتاريخ الكامل والغني والجمال لهذا المعلم البارز». كما شدّد على أن هذا «الصرح المسيحي الفريد يجب أن يبقى مفتوحًا للجميع كعلامة على التعايش والسلام بين جميع شعوب وعلى حُسن النوايا». لا شك أن هذا القرار سيترك تداعيات كبيرة على بطريركية القسطنطينية التي يرتبط مصيرها بمصير الحريات الدينية في تركيا. فهل ستكون هذه البطريركية الجريحة بمنأى عن تداعيات المواقف المنتقدة لقرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد؟ وأي مصير ينتظر الأقلية المسيحية في هذه البلاد التي لا تنفك تدفع ثمن التطرف والكراهية؟ 13-07-2020
جاد غانم بعد مواقفهم السابقة التي حذّرت من تحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، والتي لم تلقَ آذانًا صاغية من قبل السلطات التركية التي اتخذت قرارها بتحويل هذه الكنيسة، التي تعتبر بالنسبة إلى الكثيرين رمز الأرثوذكسية العالمية، إلى مسجد، ورفعت الآذان من هذا الصرح، بحضور جمهور كبير في الخارج عبّر عن فرحه واحتفل بهذه «اللحظة التاريخية»، برزت مواقف لعدد من الكنائس الأرثوذكسية ورؤسائها دانت هذه الخطوة من بينها: - موقف بطريرك الإسكندرية ثيوذوروس، الذي اعتبر أن تركيا قد «وضعت شوكة كبيرة في التعايش السلمي بين الشعوب والأديان»، وأنها «تستبيح الحقوق الدينية الثقافية للآخرين» و«تغيّر التاريخ وتستخدمه للانقسام ولخدمة مآرب شخصية». - موقف رئيس أساقفة قبرص خريسوستموس، الذي رفض إقحام البطريرك القسطنطيني في هذه المسألة لكي لا يتحمل المسؤولية عن مواقف غيره. وشدد على أن العالم سينظر إلى تركيا بعد هذا القرار «بطريقة مختلفة». - موقف رئيس أساقفة ألبانيا أنستاسيوس، الذي أعلن أن هذا القرار «يقوّض الأمل في أيامنا بالتعايش السلمي بين الأديان والثقافات»، وهو يأخذ العالم إلى «مظاهر تاريخية قاتمة». وأن تركيا التي ترغب في أن «تحتل موقعًا متقدمًا تختار العودة إلى الماضي والتخلّف التاريخي». وشدد على أنه من الخطأ استخدام الدين كوقود لخدمة المشاريع القومية، وأنه لا «بد من استخدامه بِنُبل لمداواة الجراح وتهدئة النفوس». - موقف المطران إيلاريون (ألفاييڤ)، مسؤول العلاقات الخارجية في كنيسة موسكو، الذي عبّر فيه عن «أسفه وألمه الشديد» بسبب هذا القرار الذي يشكل «ضربة للأرثوذكسية في العالم بأسره، لأن آيا صوفيا بالنسبة لجميع المسيحيين الأرثوذكس في العالم هي نفس الرمز ككاتدرائية القديس بطرس الكاثوليكية في روما». وشدد على أنه «بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ستظل كنيسة آيا صوفيا كنيسة مخصصة للمسيح المخلّص». لن تقود هذه المواقف بالطبع إلى دفع السلطات التركية إلى إعادة النظر في قرارها، ولكنها تبيّن مرة أخرى أنه لا بد من تحييد الدين عن السياسة وعن الاعتبارات القومية، لاسيما داخل الكنيسة الأرثوذكسية نفسها التي اكتوت وما زالت من هذه النيران هنا وثمة. 11-07-2020
جاد غانم اتخذت المحكمة التركية العليا، بالأمس، قرارًا ألغت بموجبه مرسومًا حكوميًا يعود إلى عام ١٩٣٤، صدر خلال عهد أتاتورك، بخصوص تحويل المبنى التاريخي لكنيسة آيا صوفيا من مسجد إلى متحف. وقد فتح هذا القرار الطريق أمام الحكومة التركية لتنفيذ خطتها التي تعدّ لها منذ سنوات، بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وذلك بالرغم من كل المناشدات الدولية بضرورة الحفاظ على هذه التحفة المعمارية التي تنتمي إلى التراث العالمي كمكان مفتوح للجميع وكشهادة على اللقاء والتعاون بين الأديان. وفور صدور قرار المحكمة، اتخذ الرئيس التركي قرارًا قضى «بتسليم إدارة مسجد آيا صوفيا، لهيئة الشؤون الدينية في البلاد، وفتحه للصلاة». لاقى هذا القرار المنتظر، والذي أتى ضمن مسار تصاعديّ بدأ بتحويل عدد من الكنائس في مدن أخرى على امتداد البلاد، من متاحف إلى مساجد، والذي سبقه منذ أشهر تحويل متحف كنيسة خورا، المشهورة بفسيفساء النزول إلى الجحيم، إلى مسجد، استنكار الكنيسة الروسية التي عبّرت عن «أسفها لأن القضاء التركي لم يُعر مخاوفها أي اهتمام». أما الحكومة اليونانية فقد اعتبرت هذا القرار «استفزازًا للعالم المتحضّر»، وخيارًا «تركيًا بالعزلة الثقافية». وفي وقت يُنهي فيه هذا القرار ٨٦ سنة من الاستخدام المتواصل لهذه الكنيسة كمتحف، فهو يفتتح عددًا من التساؤلات حول: - ما هي النتائج التي سوف تترتب عليه في العلاقات بين الأديان، وفي العلاقة بين تركيا والغرب؟ - ما الموقف الذي سوف تتخذه منظمة اليونسكو في هذا الصدد؟ - ما هي التداعيات التي سوف يتركها هذا القرار على السياحة الدينية إلى تركيا، لاسيما السياحة المسيحية والأرثوذكسية؟ - ما هو مصير الأبنية التراثية المسيحية الأخرى في تركيا، وهل سيتم تحويلها كلها من متاحف إلى مساجد، أو إخضاعها إلى ولاية هيئة الشؤون الدينية؟ - ما هو المصير الذي سينتظر الأيقونات والجداريّات والفسيفساء الموجودة فيها. وهل سيتم تغطيتها أو طمسها أو إزالتها؟ - هل سيبقى هذا البناء مفتوحًا أمام الزوار؟ وكيف؟ ووفق أية شروط؟ بالطبع، ستبقى آيا صوفيا في الذاكرة الأرثوذكسية كما كانت دائمًا، وحتى بعد سقوط القسطنطينية، الكاتدرائية الأحب إلى القلب، لأن فيها صيغَ جزء كبير من تاريخ المسيحية في القرون الأولى، وفيها كتب تاريخهم بأمجاده وإخفاقاته. وإذا كان تغيير وجهة استعمالها يحزنهم اليوم، فهو لأنه يذكّرهم بأن التطرّف والحقد والكراهية أوبئة يصعب استئصالها، وبأنه من السهل إعادة عقارب الحضارة إلى الجاهلية في أي وقت. ستبقى آيا صوفيا كاتدرائية خالدة بتاريخها، وشاهدة على جمال الذين بنَوها مَهما قسا التاريخ! 10-07-2020
جاد غانم تتوالى مواقف البطاركة ورؤساء الكنائس الأرثوذكسية المحلية بشأن التطورات المتعلقة بقرار الحكومة التركية المرتقب، والمتعلق بتحويل وجهة استخدام كاتدرائية آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. فبعد المواقف التي أطلقها كل من: - بطريرك القسطنطينية برثلماوس، الذي اعتبر أن «تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيخيِّب آمال الملايين من المسيحيين حول العالم»، وسيحوّل هذا الصرح إلى نقطة انقسام وخلاف بين الشرق والغرب، وسيؤجج العداء للمسلمين. - وبطريرك موسكو كيريل، الذي دعا السلطات التركية إلى «الحفاظ على الوضع المحايد الحالي لآيا صوفيا، إحدى أعظم روائع الثقافة المسيحية والرمز الكنسي لملايين المسيحيين في جميع أنحاء العالم». عبّر كل من بطريرك أورشليم وبطريرك رومانيا عن موقفهما من هذه المسألة، إذ: - أصدر البطريرك الأورشليمي ثيوفيلوس بيانًا، عبّر فيه عن قلقه بشأن تحويل الكنيسة إلى مسجد، وشدّد على أن «آيا صوفيا لا تزال اليوم رمزا للتسامح. وقد يجد البعض الانتعاش الروحي داخلها، والبعض الآخر قد يستوحي منها القدرة على الإبداع البشري، والبعض الآخر قد ينظر إليها من زاوية فردية... ولعل هذا يحقق أفضل عدل ممكن للموقع، والذي كان بلا شك يهدف دائمًا إلى إلهام الخشية وتمجيد الله تعالى». كما شدّد البطريرك على أنه، بصفته المؤتمن على الأماكن المقدسة، فهو يعتبر أن إتاحة الوصول إلى هذه الأماكن للجميع «يعزز السلام والاحترام المتبادل، في حين أن التفرد والإقصاء يزيد من المرارة والصراعات». - وجّه بطريرك رومانيا دانيال رسالة دعم إلى البطريرك برثلماوس، عبّر فيها عن موقف الكنيسة الرومانية المؤيد للإبقاء على الوضع الحالي لآيا صوفيا، باعتبارها رمزًا هامًا للإيمان وللحضارة المسيحية، ومَعلَمًا فنيًا عالميًا. وشدّد على تضامنه مع كل الذين يدافعون عن هذا الرمز الهام للأرثوذكسية العالمية. وبالتزامن مع هذه التصريحات، كانت الصحافة التركية تؤكد أن قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يتمّ إعداده، وتشن في الوقت ذاته حملة على البطريرك برثلماوس، وتعتبر أنه «كان سيكون من أول المهنئين للخائن فتحالله غولن»، فيما لو نجح انقلابه. ولعل ما تقدم يَطرح سؤالًا أساسيًا، مفاده: هل تتوقف الحملة عند حدود آيا صوفيا، أم سيكون لها تداعيات على معالم أخرى، وربما على وجود بطريركية القسطنطينية ذاته؟ 09-07-2020
جاد غانم تتوالى المواقف المتعلقة بمسألة النقاش الدائر حول عزم السلطات التركية اتخاذ قرار بتحويل وجهة استخدام كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. وفي هذا الصدّد، تستمر السلطات السياسية والدينية بالتحذير من تداعيات هكذا قرار على السلام بين الشعوب في أيامنا هذه، إذ: - ناشد النواب في مجلس الدوما الروسي زملاءهم في المجلس النيابي التركي بأن «يبرهنوا عن حكمتهم»، ولا يقوموا بتغيير القرار، الذي اتخذه أتاتورك في العام ١٩٣٥ بتحويل آيا صوفيا إلى متحف، باعتباره «رمزًا للسلام والوئام بين الأديان». - اعتبر الناطق الرسمي باسم الكرملين أنه يأمل بأن تراعي الحكومة التركية مسألة «أن آيا صوفيا هي من المباني المصنفة ضمن التراث العالمي... وبأن له قيمة مقدسة وروحية عميقة بالنسبة للروس، بالإضافة إلى كونها من أكثر الأماكن السياحية التي يزورها هؤلاء. كما شدّد على أن أي قرار بشأن هذا الصرح يجب أن يراعي شعور المؤمنين، لاسيما في هذا الظرف الصعب من العلاقات بين الأديان. - شدّد الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي على أن «آيا صوفيا هي رمز للتسامح والحوار، ويجب ألا نستخدمها لإثارة الخلافات بين الأديان». - أشار رئيس أساقفة أثينا إلى أن الحكومة التركية لن تجرؤ على تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بسبب التداعيات التي يمكن أن تنتج عن هذا الأمر. - دعا مجمع كنيسة كريت إلى المحافظة على الوضع الحالي لآيا صوفيا، وإلى «احترام التاريخ والتعايش بين الشعوب والأديان والثقافات على أساس المحبة والحقيقة والعدالة، على ما أكّده البطريرك المسكوني برثلماوس». وفي وقت ما زال فيه العالم يترقب القرار الذي سيتخذه الرئيس التركي بهذا الشأن في منتصف تموز، والذي يندرج بحسب المراقبين ضمن طموح إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية التي يسعى إليها، برز: - موقف وزارة الخارجية التركية التي اعتبرت أن «آيا صوفيا هي ملك تركيا، وهي مثل جميع الصروح الثقافية الموجودة على أرضنا، وأن كل ما يتعلق بها يرتبط بالشؤون الداخلية ضمن إطار حق السيادة التركية». - الرئيس التركي الذي اعتبر أن «الاتهامات الموجّهة ضد بلادنا بسبب آيا صوفيا تُعَدُّ تَعدّيًا مباشرًا على حقنا في السيادة». تدلّ هذه المواقف بوضوح على أن السلطات التركية لن ترضخ للضغوط الدولية بشأن موضوع تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، غير أنها ربما تتمهل في اتخاد هذا القرار، لأنها تدرك أن تكريس مبدأ سيادة الدولة على المباني الدينية التي تُعتبر من ضمن التراث العالمي قد يفتح الباب أمام تذرع الدولة العبرية بالأمر نفسه في ما يتعلق بالمسجد الأقصى. وهو أمر لن تَسلَم منه الصروح المسيحية في الأراضي المقدسة، وسيكون له تداعياته على السلام في العالم والوئام بين الأديان. 08-07-2020
جاد غانم اتخذت المحكمة التركية الإدارية العليا، في الثاني من تموز ٢٠٢٠، قرارها المنتظر بشأن مسألة تحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. وقد أتى هذا القرار، الذي صدر بعد اجتماع للمحكمة استمر لحوالى عشرين دقيقة، ليؤكد ما كان يتمّ الترويج له في الإعلام، والاستعدادات التي كانت تجري على الأرض بهدف تغيير وجهة استعمال هذه الكنيسة الأرثوذكسية العريقة. فقد أجازت المحكمة للرئيس التركي الحالي تغيير القرار الرئاسي السابق الذي كان قد اتخذه سلفه في الرئاسة أتاتورك بتحويل الكاتدرائية التي كانت قد اصبحت مسجدًا بعد الفتح العثماني إلى متحف، من خلال قرار رئاسي مماثل. وفيما تجري الاستعدادات من أجل رفع الصلاة الاسلامية في آيا صوفيا مجددًا ابتداءً من الخامس عشر من تموز الحالي، برزت بعض المواقف الدولية التي حذّرت من هذه الخطوة، من بينها: - موقف البطريرك برثلماوس (الأول) الذي اعتبر أن هذا الأمر يمكن أن «يُقلّب ملايين المسيحيين في العالم ضد الاسلام». - موقف الكنيسة الروسية التي اعتبر مسؤول العلاقات الخارجية فيها، المطران إيلاريون، أن هذه الكنيسة هي ملك البشرية، وأن أي تغيير في وجهة استعمالها، يضر بالعلاقات بين الحضارات والثقافات والأديان. - موقف وزارة الخارجية الفرنسية التي اعتبرت أن آيا صافيا يجب أن تبقى «مفتوحة أمام الجميع»، لأنها كصرح تُعتبر «رمزًا للعلمانية والتعددية الثقافية». - موقف وزارة الخارجية الروسية التي اعتبرت أنها تنتظر «بأن يأتي القرار بشأن هذا الصرح الفريد ذات طبيعة متوازنة، بحيث يراعي مدى حساسية هذه القضية بالنسبة للمؤمنين، والإطار المعروف الذي يرعى العلاقات بين الأديان، والممارسة الراسخة للقانون الدولي بشأن إدارة التراث العالمي لليونسكو». - موقف اتحاد البرلمانيين الأرثوذكس الذي اعتبر أن التغيير في واقع آيا صوفيا لا يخدم التعاون بين الأديان في المستقبل، ولكنه يؤدي إلى عكس ذلك. - موقف أحد مطارنة القسطنطينية في الولايات المتحدة الذي اعتبر أن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يشكّل «محوًا للإرث المسيحي في تركيا... وترهيبًا للأقلية المسيحية في البلاد والبطريركية المسكونية بشكل خاص». - موقف مكاريوس، مطران القسطنطينية في أستراليا، الذي اعتبر أن «قبة آيا صوفيا هي أول قبة في العالم»، وانه حتى لو قاموا بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وحتى لو تركوها كمتحف، وحتى لو حوّلوها إلى مستودع، أو إلى صالة ألعاب رياضية أو أي شيء آخر، فإنها ستبقى صرحًا خالدًا يُظهر من نحن. ومهما كان التغيير الذي سيطال الذي آيا صوفيا، فإنه لن يقدر أن يغيّر الواقع التاريخي». فهل تتمكن هذه المواقف من فرملة المصير الذي ينتظر آيا صوفيا؟ أم ستكون هذه الكنيسة سببًا لتردّي العلاقات بين المسيحية والاسلام كما حذّر البطريرك برثلماوس؟ فلننتظر ونَرَ! 07-07-2020
جاد غانم أصدر البطريرك الروسي كيريل (الأول) بيانًا تناول فيه التطورات المتعلقة بمسألة تحويل كنيسة آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. وقد جاء في البيان: «يساورني قلق عميق بشأن دعوات بعض السياسيين الأتراك لإعادة النظر في وضع متحف آيا صوفيا، أحد أعظم المعالم في الثقافة المسيحية. لقد بُنيت هذه الكنيسة في القرن السادس لتكريم المسيح المخلّص، وهي ذات أهمية كبيرة للأرثوذكسية الجامعة، وهي عزيزة بشكل خاص على الكنيسة الروسية. عندما دخل مبعوثو الأمير ڤلاديمير عبر عتبة هذه الكنيسة، أُسِروا بجمالها السماوي. وبعد أن سمع قصتهم، تلقّى القديس ڤلاديمير المعمودية وعمّد الروس الذين تبعوه إلى بُعد روحيّ وتاريخيّ جديد، هو الحضارة المسيحية. لقد نَقلت إلينا أجيال عديدة الإعجاب بإنجازات هذه الحضارة التي أصبحنا الآن جزءًا منها. وآيا صوفيا كانت دائمًا واحدة من رموزها العظيمة. أصبحت صورة هذه الكنيسة متأصلة بعمق في ثقافتنا وتاريخنا، بعد أن أعطت القوة والإلهام لمهندسينا في الماضي في كييڤ ونوڤغورود وبولوتسك، وفي جميع المراكز الرئيسية للتكوين الروحي المبكر للروس. كانت هناك فترات مختلفة، وأحيانًا صعبة إلى حد ما في تاريخ العلاقات بين الروس والقسطنطينية. ومع ذلك، وبالرغم من المرارة والسخط، استجاب الشعب الروسي في الماضي ويستجيب الآن لأيّ محاولة لتحطيم أو الدوس على التراث الروحي، الألفي لكنيسة القسطنطينية. إن تهديد آيا صوفيا هو تهديد للحضارة المسيحية بأكملها، وبالتالي لروحانيتنا وتاريخنا. حتى يومنا هذا، تظل آيا صوفيا مزارًا مسيحيًا عظيمًا لكل مؤمن روسي أرثوذكسي. من واجب كل دولة متحضّرة الحفاظ على التوازن، والتوفيق بين مكونات المجتمع، وليس تأجيج الخلافات فيه، للمساعدة على توحيد الناس، وليس تقسيمهم. تتطور العلاقات بين تركيا وروسيا بشكل ديناميكي اليوم. وفي الوقت نفسه، يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار أن روسيا دولة، غالبية السكان فيها ينتمون إلى الأرثوذكسية، وبالتالي، فإن ما قد يحدث لآيا صوفيا سيسبّب ألمًا كبيرًا للشعب الروسي. آمل أن تتوخى قيادة الدولة التركية الحكمة. إن الحفاظ على الوضع المحايد الحالي لآيا صوفيا، إحدى أعظم روائع الثقافة المسيحية والرمز الكنسي لملايين المسيحيين في جميع أنحاء العالم، سيسهّل المزيد من تطوير العلاقات بين شعبي روسيا وتركيا، ويساعد على تعزيز العلاقة بين الأديان، والسلام والوفاق». يشكل موقف البطريرك الروسي هذا، ليس مجرّد دفاعٍ عن آيا صوفيا، ولكنه يُعتبر موقفًا متقدمًا في الدفاع عن الثقافة والتاريخ الأرثوذكسي، كما أنه يتجاوز الخلافات بين موسكو والقسطنطينية، ويفتح ثغرة في تنظيم العلاقات بين الكنيستين والشعبين الروسي واليوناني على قاعدة التركيز على القواسم المشتركة الدنيا. 04-07-2020
جاد غانم انعقد في مدينة كييڤ في أوكرانيا، في ٢١ حزيران ٢٠٢٠، «مجمع مطارنة» ما يُعرف «بالكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا-بطريركية كييڤ»، وهي كيان انشقّ عن المنشقّين الأوكرانيين الذين وحّدتهم القسطنطينية في السابق ضمن ما يُعرف بـ«الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا» التي يرأسها إبيفانويوس. وقد رئس هذا الاجتماع، الذي انعقد بمناسبة مرور سنة على انفصال «بطريركية كييڤ» عن الكيان الذي استحدثته القسطنطينية للمنشقّين، «البطريرك فيلاريت» الذي كانت القسطنطينية قد أعادته إلى الشركة الكنسيّة معها باعتباره متروبوليتًا متقاعدًا. وقد صدر عن هذا اللقاء، الذي رقّى «مطرانين» إلى درجة «رئيس أساقفة»، بيان أشار إلى: - قانونية «المجمع المحلّي» الذي قرر الانفصال عن الكيان الذي يرأسه إبيفانيوس، وصلاحيته الكاملة لاتخاذ مثل هذا القرار. - ازدياد عدد أتباع «بطريركية كييڤ»، بالرغم من العوائق في تسجيل الرعايا والناتجة عن شطب هذه «البطريركية» من سجلات الدولة. - الصعوبات التي تواجهها «البطريركية» نتيجة الأعمال والتصرفات العدوانية التي يمارسها إبيفانيوس عليها وعلى «البطريرك فيلاريت» بشكل خاص. - التزوير الذي قام به إبيفانيوس للاستيلاء على ممتلكات «بطريركية كييڤ» ونقلها إلى الكيان الذي يرأسه. - الاضطهاد الذي يتعرض له أتباع هذه «البطريركية» من قبل أتباع إبيفانيوس، لاسيما لجهة مصادرة مباني الكنائس والتعدّي على الممتلكات التابعة لها. وبالاستناد إلى ما تقدم، اتخذ «مجمع المطارنة» المذكور قرارًا: - دان تصرفات رئيس و«مجمع» ما يُعرف بـ«الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا» الرامية إلى تدمير «بطريركية كييڤ» التي ولدت إبيفانيوس وعددًا كبيرًا من «مطارنته»، والتي بفضلها حصلوا على طرس الاستقلال الذاتي. - ناشد السلطات المدنية بتحمّل مسؤوليتها لجهة احترام الدستور وإعادة العمل بتسجيل هذه «البطريركية» التي تتعرض حقوقها للانتهاك بخلاف القواعد الديمقراطية وتلك المتعلقة بحرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية. لم يأتِ الرد على هذا البيان من قبل إبيفانيوس، بل من قبل أحد «المطارنة» التابعين لكيانه، الذين انضموا من خارج «بطريركية كييڤ»، إذ نعت فيلاريت «بقداسة المجنون العنيف»، الذي يجب معاقبته لأنه يعطي المثال السيء لغيره، ويحول دون نمو وتقدم كيان إبيفانيوس. بالطبع يكشف ما تقدّم عمق القعر الذي يعيش فيه هؤلاء المنشقّون بمختلف أطيافهم، وبشاعة الجريمة التي ارتكبها الذين اعترفوا بهم بحق الكنيسة، كما يكشف مدى هشاشة هذا الكيان الذي بُني على رمال السياسة والمصالح الآنيّة والتجاوزات اللاهوتية والقانونية والأخلاقية. 03-07-2020
جاد غانم يتابع «البطريرك فيلاريت» معركته ضد ما يُعرف بـ«الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا»، وضد طرس الاستقلال الذاتي التي منحَته القسطنطينية للمنشقين في هذا البلد. وقد أطلق مؤخرًا، خلال مؤتمر صحافيّ، مجموعة من المواقف اللافتة، من بينها: - أن طرس الاستقلال الذاتي، الذي منحه البطريرك برثلماوس خلال ما عُرف بـ«مجمع التوحيد»، ينص على تبعية الكيان الجديد للفنار؛ - أنه، للتخلُّص من هذه التبعية، لا بد من التخلي عن طرس الاستقلال الذاتي هذا، بسبب مضمونه؛ - أن التبعية للفنار هذه، التي فرضها طرس الاستقلال الذاتي، هي التي حالت وتحُول دون انضمام الرعايا التابعة للكنيسة الشرعية إلى الكيان الجديد؛ - أنه يتوجب على البطريرك القسطنطيني أن يمنح أوكرانيا طرسًا مشابهًا لما حصلت عليه كنائس رومانيا، وبلغاريا، وصربيا، وبولندا، لأن هذا ما تحتاج إليه الكنيسة في أوكرانيا. - أنه سيستمر في إعلاء الصوت والمطالبة بمنح طرس الاستقلال الذاتي لـ«بطريركية كييڤ»، حتى الحصول على مبتغاه، لأن الاستقلال الذاتي لا يكون كاملًا إلا من خلال الاعتراف بالنظام البطريركي لأوكرانيا. - أن الطرس الحالي يشبه إلى حد كبير ما عُرض عليهم في العام ٢٠٠٨، لما اقترحت بطريركية القسطنطينية منح أوكرانيا نظام إدارة ذاتية شبيهًا بنظام الكنيسة في جزيرة كريت، وهذا ما تم رفضه بشكل قاطع. - أنه قد انسحب من الكيان الذي استحدثته القسطنطينية للمنشقّين لأنه لا يريد أن يكون تابعًا للبطريرك القسطنطيني، ويريد أن يحافظ على «بطريركية كييڤ». - أن طرس الاستقلال الذاتيّ لم يُمنح إلا بسبب وجود «بطريركية كييڤ» ودورها في المجتمع. - أن الذين يحاربون «بطريركية كييڤ» قد برزوا إلى الوجود بفضلها، لاسيما إبيفانيوس، الذي ما كان ليكون شيئًا لولا احتضانها له وتعليمه. وها هو اليوم يرمي الحجر في البئر التي سقته ماءً. - أن الدولة في أوكرانيا بحاجة إلى كنيسة مستقلة عن الخارج، لاسيما أن «بطريركية كييڤ» هي التي حضنت الجيش، وبثت في الشعب الحسّ الوطني. لا شكّ أن وصف فيلاريت لمضمون طرس الاستقلال الذاتي يتضمن مجموعة من النقاط الصحيحة: - فهذا الطرس لا يشبه الطروس الممنوحة للكنائس المحلية الأخرى، ولكنه نسخة معدّلة عن طرس كنيسة اليونان، التي تُعتبر كنيسة قاصرًا تحت وصاية القسطنطينية من نواحٍ عديدة. - وهو يقيّد الكيان الجديد، ويمنحه حقوقًا أقل من تلك التي تحظى بها الكنيسة الشرعية التي تتمتع بالإدارة الذاتية ضمن بطريركية موسكو، والتي مُنحت حرية أكبر في إدارة شؤونها الداخلية. يصعب بالطبع أن تستجيب القسطنطينية لموقف فيلاريت الداعي إلى إلغاء طرس الاستقلال الذاتي وإصدار غيره، في ظل الظروف الحالية، والتشرذم الذي ما زالت تعاني منه الارثوذكسية في أوكرانيا. ولكن وحدة الارثوذكسية في أوكرانيا، وسلامة العالم الأرثوذكسي، تتطلّب بشكل لا لبس فيه إعادة النظر بمضمون هذا الطرس، الذي يكرّس بابويّة القسطنطينية. فهل يكون الحل الآتي وفقًا لمعادلة تخلّي موسكو عن حقّها في الولاية على أوكرانيا مقابل تخلّي القسطنطينية عن ادعاءاتها البابويّة؟ 02-07-2020
جاد غانم أصدر المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الصربية، المنعقد في بلغراد في ٢٥ حزيران ٢٠٢٠، بيانًا تناول فيه التطورات المتعلقة بالكنيسة في الجبل الأسود. وقد جاء في هذا البيان أن المجمع: - «يدين بشدة استمرار اضطهاد الكنيسة من قبل حكومة الجبل الأسود الحالية، والذي ظهر من خلال الاعتقال الأخير لمتروبوليت الجبل الأسود والساحل الموقر أمفيلوخيوس من أجل الحديث معه في مركز الأمن في بودغوريتشا، حيث تم احتجازه لمدة ست ساعات كاملة، وكذلك من خلال القبض على عدد من الكهنة والمؤمنين، مع التهديدات المستمرة بترحيل الكهنة الذين ليسوا من مواطني الجبل الأسود». - يعتبر أن «الكنيسة في الجبل الأسود وأساقفتها وكهنتها ورهبانها ومؤمنيها يدافعون عن مقدّساتهم بطريقة محقّة، ويتجنّبون أي تسييس للمشكلة، ويطالبون بالتعديلات اللازمة على القانون المتنازع عليه بشأن الحرية الدينية. - يكرر دعوته التي أطلقها مرارًا لحكومة الجبل الأسود الحالية من أجل «الكفّ عن اضطهاد الكنيسة ورجال الدين، والعمل وفقًا للمعايير الحضارية والتوصيات الصادرة عن المراجع السياسية والاجتماعية الرسمية من أوروبا والعالم، وبالتالي توفير حرية العبادة والضمير لكل فرد ومواطن في الجبل الأسود. - يشير إلى أن «الاضطهاد الأخير من قبل الدولة ضد الكنيسة بأكملها في الجبل الأسود، واستغلال وباء كورونا والتدابير المتخذة لمكافحته لمحاربتها، يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الانقسامات الاجتماعية، ويعرّض الاستقرار والسلام للخطر وبشكل دائم، ليس فقط في هذا البلد، بل في المنطقة بأكملها». - يعرب عن «الدعم الأخوي القوي للأساقفة ورجال الدين والرهبان في دفاعهم عن حقهم في ممارسة إيمانهم بحرية وفي الدفاع عنه. - يدعو «رئيس الجبل الأسود وحكومة الجبل الأسود إلى إنهاء اضطهادهم للكنيسة، وأن تكون قراراتهم متوافقة مع أحكام القانون الدولي، لا سيما في مجال حقوق الإنسان والحريّة الدينية، لكي يثبتوا بالأفعال، وليس فقط بالأقوال، بأنهم جزء من أوروبا والعالم المتحضّر بشكل عام. - يصلي لكي «يسود السلام والأخوّة في الجبل الأسود بين جميع المواطنين، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو انتمائهم السياسي. - يدعو «المؤمنين إلى أن يبقوا، كما كانوا دائمًا، مسؤولين وملتزمين في الدفاع عن إيمانهم وعن حقهم غير القابل للانتهاك بحرية العبادة. لقد تضمّن هذا البيان، وللمرة الأولى، إعلانًا واضحًا من قبل المجمع الصربي بأن الكنيسة في الجبل الأسود تتعرّض للاضطهاد. فهل تبادر الكنائس الأرثوذكسية المحلية إلى الوقوف إلى جانبها، وتحُول دون محاولات بلقنة الأرثوذكسية التي بدأت في أوكرانيا ولن تتوقف في الجبل الأسود؟ ا تموز ٢٠٢٠
جاد غانم تناول قداسة البطريرك برثلماوس (الأول) مسألة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، خلال العظة التي ألقاها أثناء احتفاله بعيد الرسل في آخر حزيران. وقد أشار في عظته الى أنه: ⁃ قد عبّر مرارًا وتكرارًا عن موقف البطريركية المسكونية وأبنائها الروحيين في جميع أنحاء العالم بشأن هذه المسألة؛ ⁃ قد وجّه في عام ٢٠١٦ رسالة خطية إلى مدير الشؤون الدينية في تركيا، عبّر فيها عن قلقه بشأن التغيير المقترح لوضع آيا صوفيا، وأكد أن هذا الصَّرح الفريد حصل على قيمة مقدسة من كل من الديانتين التوحيديّتين، لأنه كان بمثابة مكان لعبادة الله لمدة ٩٠٠ سنة للمسيحيين و ٥٠٠ سنة للمسلمين. ⁃ قد ختم تلك الرسالة مشددًا على الضرر الذي ينتج عن تحويل آيا صوفيا المكرّسة للحكمة الإلهية، والتي هي نقطة لقاء ومصدر افتتان للمؤمنين من كلا الديانتين، إلى سبب للمواجهة والصراع في القرن الحادي والعشرين. ⁃ إن هيكل الحكمة الإلهية هو بلا شك واحد من أهم المعالم الكلاسيكية للحضارة العالمية، لأنه يتجاوز حدود الناس وزمن إنشائه، ولا ينتمي إلى صاحبه فحسب، بل إلى البشرية جمعاء. وبهذا المعنى، يتحمل الشعب التركي المسؤولية الكبرى والشرف الأعلى لإبراز عالمية هذا الصَّرح الرائع. ⁃ يمكن لآيا صوفيا، كمتحف، أن تعمل كمكان ورمز للّقاء والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات، والتفاهم المتبادل والتضامن بين المسيحية والإسلام، وهو أمر حيويّ ومفيد للغاية للعالم المعاصر. ⁃ إن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيخيِّب آمال الملايين من المسيحيين حول العالم، وآيا صوفيا، التي، بسبب قدسيتها، هي مركز حيوي يحتضن لقاء الشرق مع الغرب، سوف تقسم هذين العالمين في الوقت الذي يحتاج فيه البشر المنكوبون والمعذبون، بسبب الوباء القاتل لفيروس كورونا، إلى الوحدة والتوجّه المشترك. يضاف موقف قداسة البطريرك برثلماوس هذا إلى مواقف مماثلة صدرت عن شخصيات دينية وسياسية، ناشدت الحكومة التركية عدم المضيّ في مشروعها هذا. ولكن يبدو أنه، بالرغم من تحذير منظمة الأونسكو، إلا أن الحكومة التركية ماضية في تنفيذ مشروعها، لاسيما بعدما نشطت منظمات غير حكومية على صعيد البلاد في جمع التواقيع لتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وإتاحة الدخول إليه مجانًا لجميع المصلين! فهل ما كُتب قد كُتب؟ 30-06-2020
جاد غانم تقوم، في أبرشية أميركا التابعة لبطريركية القسطنطنية، جمعية يطلق عليها اسم «تنظيم القديس أندراوس الرسول»، وتُعرف اختصارًا باسم جمعية «الأراخنة»، نسبة إلى لقب «أَرخُن» الذي يُمنح لعدد من الأشخاص الذين يقدّمون خدمات لبطريركية القسطنطينية. وقد تأسست هذه الجمعية يوم أحد الأرثوذكسية في العام ١٩٦٦، في عهد البطريرك أثيناغوراس، الذي منح آنذاك ثلاثين شخصًا من الذين أبدوا «محبة، وإخلاصًا، ودعمًا للبطريركية المسكونية، وساهموا في تقدّمها وخيرها» وشاح الأراخنة. وفي أيامنا هذه، يقتصر دور هذه الجمعية وأعضائها على تقديم الدعم اللازم لبطريركية القسطنطينية وقضاياها وتعزيز دورها في العالم وفي الدفاع عن المسائل المتعلقة بالحرية الدينية وحقوق الإنسان. وقد وجّه مؤخرًا رئيس هذه الجمعية نداء إلى الرئيس الأميركي بشأن قضية تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. ومما جاء في هذه الرسالة: «عزيزي حضره الرئيس: «من المرجح أن تعلن جلسة المحكمة التي ستنعقد في أوائل تموز في تركيا قرارها بتحويل آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد. تأمل جمعية القديس أندراوس الرسول، وأراخنة البطريركية المسكونية، ويطلب منك أن تقوم على وجه السرعة بحماية الحرية الدينية للمسيحيين في تركيا والتراث المشترك للإنسانية من خلال منع هذا القرار التدنيسي وغير الضروري. نحن ممتنون حقًا لمناصرتك لإيماننا المسيحي، و، على وجه الخصوص، لأمرك التنفيذي الصادر في 2 حزيزان 2020 بشأن تعزيز الحرية الدينية على الصعيد الدولي، والذي جاء فيه: «الحرية الدينية لجميع الناس في جميع أنحاء العالم هي أولوية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبأن الولايات المتحدة ستحترم هذه الحرية وتعززها بقوة». تتحدى خطة تركيا لتحويل آيا صوفيا إلى مسجد مباشرة تلك الحرية الدينية. وهي جزء من الجهود الجارية لنزع الشرعية عن السكان المسيحيين المتبقين في تركيا، مما يؤدي إلى مزيد من تقويض حريتهم الدينية، وطمس عنصر مهم من التراث المسيحي لتركيا والمنطقة المحيطة بها، وكذلك للعالم بأسره. تحويل متحف آيا صوفيا، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، إلى مسجد سيجعله إرثًا لأمّة واحدة، وهو عمل غير عادل واستفزازي، لأن هذا الموقع التاريخي ينتمي حقًا إلى العالم. وتابعت الرسالة، بعد استعراض تاريخ آيا صوفيا، بأنها تعتبر نصبًا هامًا يخصّ البشرية جمعاء، و«رمزًا حيًا لاحترام جميع الأديان. وإن تحويلها إلى مسجد الآن يعني رفض هذا الاحترام والتنكر لأصل آيا صوفيا ككنيسة مكرسة ليسوع المسيح وكمكان مقدس، وكجزء من تراثنا الجماعي». وختمت الرسالة مطالبة الرئيس الأميركي بأن «يتأكد على وجه السرعة، من أن حكومة تركيا ستؤكد التزامها بالحرية الدينية، وتتخلى عن جميع الخطط لتغيير وضع آيا صوفيا، والتي سوف تزيل في الواقع الوجود التاريخي الجوهري للمسيح والكنيسة المسيحية في تركيا المعاصرة». لم يتأخر الردّ التركي على هذه الرسالة، إذ صرح وزير الخارجية التركي بأن مسألة آيا صوفيا «تتعلق بالسيادة التركية»، وبأن الوثائق «تؤكد بأن السلطان أحمد قد حولها إلى مسجد»، وبأن دولته «لا تتلقى الأوامر من أحد بهذا الخصوص». 29-06-2020
جاد غانم أصدر المجمع المقدس لبطريركية القسطنطينية، الذي انعقد في المركز الأرثوذكسي في شامبيزي- سويسرا، ما بين ٢٣ و٢٥ حزيران، بيانًا تناول مسألة المناولة على ضوء التحديات التي طرحها وباء كوڤيد -١٩ المعروف بكورونا، وبالاستناد إلى الرسالة التي وجّهها قداسة البطريرك برثلماوس (الأول) إلى رؤساء الكنائس المحلية بهذا الشأن، والأجوبة التي تلقّاها عليها. وقد جاء في هذا البيان ما تعريبه: «١) سر الإفخارستيا الإلهية هو غير قابل للتفاوض، لأننا نؤمن أن جسد ودم المسيح المخلّص ينتقل بواسطته إلى المؤمنين من أجل «مغفرة الخطايا والحياة الأبدية»، وأنه من المستحيل لأي مرض من الأمراض أن ينتقل إلى الذين يشتركون في سر الأسرار. ٢) في ما يتعلق بطريقة توزيع الأسرار الطاهرة على المؤمنين، فإن الكنيسة، إذ تحترم التقليد المقدس الممتزج بشكل لا ينفصم مع الممارسة الكنسية اليومية والخبرة الخلاصية، تتمسك بما هو صحيح منذ العصور السابقة وحتى اليوم، كحارس يقظ وحام لما سلمه لنا الآباء القديسون، ولا تجد أي حاجة لتغيير الطريقة الحالية لتوزيع المناولة بالرغم من ضغط العوامل الخارجية. في الوقت نفسه، وإذ تراعي الكنيسة الأُمّ الاحتياجات الخاصة لأبنائها في الانتشار، فهي تناشد رؤساء كهنتها الذين يخدمون في هذه الأماكن، بالاستناد إلى حسّهم الرعائي ومسؤوليتهم وضميرهم، بأن يقوموا مؤقتًا، وفقًا للتدبير الكنسي، بالتكيّف مع المسائل الإشكالية التي تنشأ عن القوانين المحلية للدولة، وذلك من أجل المنفعة الروحية الأكبر للشعب المسيحي، ودائمًا بالتنسيق مع المركز المقدس في الفنار». لقد أتى هذا البيان الرسمي ليؤكد المؤكد، وليكرس المعمول به على صعيد كنيسة القسطنطينية، التي عرفت ممارسات مختلفة على صعيد أبرشياتها في الانتشار. وهو قد أغفل ذكر أسماء الكنائس التي أجابت على رسالة البطريرك برثلماوس، مكتفيًا في مقدمته بالإشارة إلى تطابق الآراء بين مواقف الكنائس المحلية وموقف بطريركية القسطنطينية. ومن أكثر ما يلفت، التهليلُ الذي لاقى به مطران القسطنطينية في أميركا إلبيذوفوروس صدور هذا القرار، إذ اعتبر أنه: «مرة أخرى، أظهرت البطريركية المسكونية، تحت القيادة المثالية لقداسة البطريرك برثلماوس، أولية مجمعية أرثوذكسية أصيلة في تشاورها الأخوي مع الكنائس المحلية المستقلة. فالحكمة الرعوية والإحساس، التي يمكن تطبيقها من خلال التدبير الكنسي في الانتشار، تُظهر المزيد من المحبة والاهتمام من قبل الكنيسة الأمّ في القسطنطينية لجميع أولادها الروحيين في جميع أنحاء العالم. فنحن ممتنّون للمشورة الحكيمة والمتبصرة للعرش الأول للأرثوذكسية». ولعل ما تقدَّم يطرح بعض التساؤلات البسيطة، من بينها: - ما هو الجديد الذي أتى به هذا القرار، سوى اللجوء إلى التدبير الذي يهرب إليه الأرثوذكس كلما واجهتهم مسائل شائكة؟ - ولماذا لم تتجلَّ القيادة الحكيمة للقسطنطينية في توحيد مواقف مطارنتها في الانتشار، والتي تضاربت بشأن هذه المسألة حتى درجة التناقض؟ - وهل تكون صارت المجمعية الأرثوذكسية التي تمارسها القسطنطينية تقتصر على توجيه الرسائل إلى الكنائس المحلية لاستمزاج آرائها بطريقة فوقية لا تواصُل فيها ولا حوار؟ لا شكّ، أن هذا القرار، الذي يؤكد المؤكد، ولا يواجه التحديات المطروحة من قبل المؤمنين، ويعتبرها مجرد ضغوط خارجية، قد فرمل بعض المبادرات التي قام بها مطارنة القسطنطينية في الانتشار، ومن بينهم المطران إلبيذوفوروس، وهو قد فوّت فرصة البحث في العمق في مسألة تهم عددًا كبيرًا من المؤمنين، وينتظرون من الكنيسة مقاربة جريئة بشأنها. 27-06-2020
جاد غانم تتوالى المواقف المتعلقة بالقرار المنتظر للحكومة التركية بتحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد. وفي هذا الصدد: - اعتبر البطريرك الأرمني في اسطنبول، أن تحويل هذه الكنيسة إلى مكان للعبادة أفضل من أن تبقى مكانًا للسياحة، مقترحًا أن يتم تخصيص مكان فيها، في حال تحويلها إلى مسجد، للمسيحيين لإقامة خِدمهم، مما ينسجم مع تاريخها الذي شهد على كونها مكانًا للصلاة بالنسبة للمسيحيين والمسلمين، ومما يجنّب الخلاف حولها بين أتباع الديانتين. - خاطبت وزيرة الثقافة اليونانية الدول الأعضاء في اليونسكو، مشيرة إلى أنه لا يحق للدولة التركية العضو في اتفاقية اليونسكو للعام ١٩٧٢ تغيير طابع آيا صوفيا وتحويلها إلى مسجد، في سعيها إلى تأجيج التعصب الديني والشعور القومي ولغايات سياسية داخلية. وشددت على أن دولة اليونان تسعى إلى إعلام الدول بما يحدث لكي «لا تفقد آيا صوفيا طابعها المسكوني وتتحوّل إلى مسجد». - شدّد السفير المسؤول عن الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأميركية على أن «آيا صوفيا تحمل أهمية روحية وثقافية هائلة لمليارات المؤمنين من مختلف الديانات حول العالم. ودعا حكومة تركيا إلى الحفاظ عليها كموقع للتراث العالمي لليونسكو وإتاحة إمكانية الوصول إليها للجميع ضمن وضعها الحالي كمتحف». - أعرب البطريرك برثلماوس الأول، بطريرك القسطنطينية، في مقابلة صحفية، عن حزنه وصدمته مما يحصل، متسائلًا: «ماذا يمكنني أن أقول كرجل دين مسيحي وبطريرك يوناني في القسطنطينية؟ فبدلاً من أن يوحّدنا تراث عمره ١٥٠٠ عامٍ، يفصل بيننا. أنا حزين ومصدوم». كذلك أشار، في جوابه على سؤال حول مدى إمكانية الحفاظ على آيا صوفيا في ظل التضاؤل الكبير للوجود اليوناني في اسطنبول، مؤكدًا «لقد بقينا موجودين لمدة ١٧ قرنا، وإن شاء الله سنبقى هنا إلى الأبد». تدل كل المؤشرات والمواقف الصادرة عن الحكومة التركية والمسؤولين فيها على أن قرار تحويل آيا صوفيا مسجدًا قد اتُّخذ، وأنه من الصعب الرجوع عنه، بالرغم من كل المواقف والضغوط الدولية المعترضة والمنددة. وربما سيأتي هذا القرار استكمالًا لقرارات سابقة قضت في السنوات المنصرمة بتحويل عدد من الكنائس والأديرة التي كان أتاتورك قد حوّلها إلى متاحف إلى مساجد، كما حصل مؤخرًا مع دير خورا الذي يضم أهم الجداريات المسيحية، ومن بينها جدارية النزول إلى الجحيم المشهورة. لا شك أن تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد لا يثير الصدمة والحزن فقط عند الأقلية اليونانية الأرثوذكسية في البلاد وعند غيرهم من المسيحيين في العالم، ولكنه ربما يؤشر إلى نهاية مرحلة من تاريخ القسطنطينية، وبداية أخرى ربما ستكون أصعب من سابقاتها، لاسيما في حال فشلت كل الوساطات الرامية إلى الحفاظ على الطابع الحالي لهذه الكاتدرائية. مهما يكن، يبقى الرجاء بألا تتحوّل الأقلية الأرثوذكسية الملتفّة حول بطريركية الفنار في المدينة إلى مكان لتصفية الحسابات السياسية الناتجة عن تدويل أزمة آيا صوفيا، مما يعرّض الارثوذكسية في هذه البلاد إلى الأفول. 26-06-2020
جاد غانم تستمر معاناة الكنيسة الأرثوذكسية في الجبل الأسود، بحيث لا يمضي أسبوع إلا ويُستدعى فيه رئيسها أو أحد مطارنتها وعدد من كهنتها إلى التحقيق لأسباب واهية، بهدف إذلالهم، لأنهم يرفضون المضيّ في مشروع رئيس البلاد الذي يرمي إلى فصل هذه الكنيسة عن بطريركية صربيا، أو تجريدها من ممتلكاتها ونقلها إلى الكيان الانشقاقي الذي يرغب في منحه الاستقلال الذاتي وتحويله إلى الكنيسة القومية في البلاد، وفقًا للنمط الذي أتبع في أوكرانيا. وفي آخر فصول المعاناة، استدعاء المتروبوليت أمفيلوخيوس للتحقيق بتهمة مخالفة الإجراءات المتعلقة بكورونا، بسبب التطواف الذي قام به المؤمنون دعمًا للكنيسة واستنكارًا للإجراءات المجحفة بحقها، لاسيما تلك الرامية إلى تجريدها من ملكيّتها. وقد أمضى هذا الشيخ الثمانيني ما يقارب الست ساعات في مركز التحقيق، قبل أن يتمّ إخلاء سبيله، بسبب عدم وجود أي دليل لمخالفته أيًّا من القوانين. وفي هذا السياق، أصدرت الكنيسة بيانًا، أوضحت فيه أن التطواف الذي حصل لم يخالف دستور البلاد وقوانينها، وقد حظي بالموافقة المسبقة من السلطات التي منحت المنظمين جميع الأذونات المطلوبة. وبينت أن الشرطة لم تضطلع بالدور المطلوب منها في تسهيل ومرافقة التطواف، مما عرّض المشاركين فيه للخطر. وقد انتظر عدد كبير من المؤمنين متروبوليتهم خارج مركز الشرطة، حيث رافقوه في ما بعد إلى مركزه، معبّرين عن استيائهم الكبير من معاملة السلطات للكنيسة ولرئيسها. يذكر في هذا المجال أن عددًا من المؤمنين قد رفض في المرحلة الأخيرة المساهمة في اضطهاد الكنيسة، إذ: - استقال من وظيفته سائق جرافة طُلب منه العمل على هدم أحد المباني التابعة للكنيسة، لكي لا يساهم في الإجراءات الحكومية الرامية إلى إلحاق الضرر بممتلكات الكنيسة. - قام شرطي، أمضى ما يقارب ١٧ سنة في الخدمة، بخلع بدلته والتخلي عن وظيفته، رافضًا أن يتحول إلى أداة لاضطهاد المؤمنين. وقد صرّح: «إنه لشرف عظيم لي أن أرفع الصليب. هذا الصليب الثمين الذي هو ذبيحة، وأن أقبله. وأنا على استعداد لرفعه باسم الحقيقة وباسم مقدّساتنا. وأنا فخور بأسلافي. وأعلم أنهم سعداء الآن لأنني اتخذت هذا القرار». وفي وقت يزداد فيه إذلال قادة الكنيسة، والتنكيل بأتباعها، يستمر أبناؤها، رعاة ورعية، بالدفاع عن مقدساتهم وبإقامة التطوافات والصلوات لكي لا يتحول هذا الاضطهاد المتزايد إلى عنصر للتنابذ وللتشرذم ضمن المجتمع في الجبل الأسود الذي يلتفّ أبناؤه بغالبيتهم حول الكنيسة، ويرفضون إضعافها لصالح كيان إنشقاقيّ يقوده شخص يدّعي الكهنوت ومحروم من بطريركية القسطنطينية بسبب ارتكابات أخلاقية. |
كلمات وخواطرصفحة كلمات وخواطر مفتوحة لعدة كتّاب أرشيف
July 2020
التصنيفات |