ماريّا قباره
الذهنية "الداعشية" ليست حكرا على احد!!! الجزء (3) توظيف النّجاسة وحيضٌ يمنع النّساء من دخول الهيكل في أثر اتباع الآراء الذكورية الّتي نادت بدونيّة المرأة، وتبدّل الظروف التاريخية بعد القرن الخامس في الشرق والّتي زادت المجتمع البطريركي أكثر حضوراً. وتأثير اليهودية في العبادة والحياة والقوانين المسيحيّة الذي زادَ بسبب من تطوّر العلاقات بين الكنيسة والدولة في الامبراطورية البيزنطيّة وتشكيل القانون الكنسيّ وتشريعه، بحيث عادت الكنيسة إلى التشريع اليهوديّ. وهذا ما يلاحظه اللاهوتي الأرثوذكسيّ إفدوكيموف بقوله: "إنَّ ظاهرة خطيرة جدًا دخلت تاريخ المسيحيّة، واخترق التأثيرُ اليهوديّ روحَ القوانين المسيحيّة". ويتضّح هذا عبر القانون 44 من مجمع اللاذقية 364م. "لا يجوز للنساء الدخول إلى مذبح التقدمة (الهيكل)"، والقانون 69 من مجمع ترولو "حيث مُنعت المرأة من دخول الهيكل بسبب الصفات التي تملكها طبيعتها". يمكننا القول، أيضاً، أنّ بولس الرسول ورَّث تعاليمه حول حرمان المرأة من التّعليم ومن إعتلاء المناصب الدينية لكلّ العالم المسيحي، وهذا ما نجده في القوانين والنصوص الآبائية والتشريعية. فنجد الكنائس قد استندت على تعاليم بولس الرسول المتشددة بشأن المرأة من جهة، وعلى صياغة معظم طقوسها بناء على قوانين التلمود اليهودية القديمة من جهة أخرى. إنّ خضوع المرأة للرجل في المجتمع اليهودي القديم كان مفروضاً بصرامة على المرأة. ومن البديهي القول إنّ الرجل المنتمي إلى اليهودية، كان يشكر الله ثلاث مرات في اليوم لكونه ولد يهودياً لا أممياً، رجلاً لا امرأة، حراً لا عبداً. أمّا كتاب الصلاة اليهوديّ، فقد زاد على ذلك صلاة للمرأة تقبل فيها وضعها إذ تقول: "أحمدك أيّها الإله الأزلي ربّ العالم الّذي صنعتني حسب مشيئتك". هذا التقليد الغابر اعتنقته الكنائس المسيحية ورسخته في ذهن وعقول النّساء لقرون طويلة، واستخدمت فكرة النّجاسة بشكلها العام لحرمانها من حقوق كثيرة. إلاّ أنّه ومع مرور الوقت ظهرت أصوات مستنيرة من أوساط كنسية تقول إنّ لا نجاسة إلاّ بالخطيئة. وما مفهوميّ الطهارة والنجاسة في ما يتعلّق بالفيزيولوجيا إلاّ مفهومَين بائدَين. ويسوع المسيح نفسه تجاوزهما. فالمساواة تامّة بين الرجل والمرأة (غلاطية 3: 28)، لا بل كثيرًا ما تكون النساء هنَّ العامود الأكبر في حفظ البيت وليس الرجل. فالمجمع الأنطاكيّ المقدس، على سبيل المثال، في عام 2007 كان سباقاً بإقرار: "إلغاء كلّ ما يوحي بأنّ المرأة حاملة للنجاسة، من حيث دخولها إلى الكنيسة وقبولها في المناولة المقدسة". لكن في الحقيقة مشكلة المرأة المسيحية لا تتلخص فقط في فكرة كونها نجسة بطبيعتها فترة الحيض، ولكن لانّ هذه الفكرة بني عليها حرمانها من تولي أي منصب دينيّ وسلبها استحقاق دخول الهيكل أو قراءة الإنجيل في الخدم الليتورجية والوعظ والتعليم أو حتى القيام بدور الشّماس كما كان من مهماتها في نشأة الكنيسة الأولى. فالخطاب الديني المسيحيّ الّذي هيمن على الكنائس منذ البداية في اسلوب تعامله مع المرأة لم يكن خطاب المسيح، لكنّه استند على ما جاء في التراث الوثنيّ واليهوديّ وعلى آيات بولس الرسول المُستندة على جانب من تعاليم يهودية بحكم خلفيته الاجتماعية والثقافيّة والفكريّة الّتي اتسمت بالذكورية الصريحة. وتبني هكذا نوع من الخطاب كان في صفّ النزعة الأبوية، وضمان لاستمرار السيطرة التامة على الانفراد بالسلطة الدينية إلى يومنا هذا. الانتصار التاريخي للنزعة الأبوية داخل الكنيسة جاء في رسالة البطريرك يوحنا اليازجي الرعائية في عام 2013، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، حول رعاية المرأة ما يلي: " لدى المرأة مواهب عديدة وخاصّة، علينا تثميرها وتجنيدها، على حدى ومع الرجال في الخدمة الرعائية والاجتماعية. نرى في العهد الجديد أن نساء خدمنَ الكنيسة بطرق مختلفة. في الفترة الرسولية عاشت الجماعة المسيحية بموجب قول بولس: " وليس هناك ذكرٌ وأنثى، لأنّكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع. وقد تبعت يسوع نساء كثيرات وجُلن معه في تجواله لنشر الكلمة. لا بدَّ لنا من فتح ورشة تفكير لتشجيع انخراط النّساء في العمل التبشيري والخدماتي، واستشارتهنَّ بكلّ ما يخصّ أمور البيعة، وعلينا ابتكار أساليب جديدة لترسيخ خدمتهنّ في النّشاطات التّعليمية والاجتماعية المختلفة". في قراءة هذه الرسالة الرعوية لغبطة البطريرك اليازجي تتحسّس نهضة فكريّة وثقافيّة واجتماعيّة، وعلامات لتحسّن وضع المرأة ودورها في الكنيسة الأنطاكيّة أقله. إلاّ أنّ هذا التّحسس سرعان ما يتلاشى أمام ذاك اللّقاء المجمعيّ الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ لشؤون العائلة والّذي أقيم على أرض وجامعة البلمند في العام 2019. أيّ بعد 6 سنوات من إعلان رسالة البطريرك الرعوية حول رعاية المرأة ودورها في الكنيسة. ضمّ المجمع آنذاك 60 رجلاً مقابل امرأتين فقط تحت عنوان "العائلة فرح الحياة". وهذا يناقض عملياً كلّ ما جاء في رسالة غبطته حول تشجيع النّساء في الانخراط في العمل التبشيريّ والخدماتيّ. حيث تغيب فيه صورة المرأة عن قصدٍ عن أمور كثيرة تخصّها في حياة العائلة والكنيسة. شكّل هذا الأمر نقطة ضعفٍ كبيرة وحقيقية أمام الكنيسة على اعتبار أنّ المتكلّمين والمحاورين فقط من الأساقفة والمطارنة في الكرسي الأنطاكيّ (رجال غير متزوجين) وبعض من الرجال العلمانيين. وإلى عكس أزمة في نظرة الكثيرين إلى تغليب الأساقفة على كلّ المجتمع الكنسيّ للحديث في مسائل ليسوا ملمّين بها إطلاقاً، وهذا ما بدا واضحاً وجلياً في عدم خبرتهم في مسائل العائلة والتربية الثقافية والنفسيّة والمجتمع وكيفية التعاطي معها بجديّة. في الوقت الّذي تحيي فيه الكنيسة الأنجليكانية الذكرى الخامسة والثلاثين على ترسيم النّساء قساوسة، القرار الّذي اتخذ في 26/ 2/ 1987 بعد مناقشات دامت 10 سنوات في خطوة إصلاحية تاريخية، يحتفل معهد اللاهوت الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ في البلمند بذكرى تأسيسه الخمسين في 2021 ليصل عدد الأستاذات المتفرغات فيه صفراً، وعدد التلميذات المتعلمات صفران. إنّ المشكلة الأساس في إشكالية دور المرأة في الكنيسة لا تتعلّق بمسألة التّعليم والإرشاد والإدارة، بل بمسألة تولي منصباً في الجسم الإكليريكيّ وإتمام خدم ضمن الطقوس الدينيّة. فالله لا يهتّم بجنس من يقوم بالخدمة الطقسيّة، بل بما فيه من استقامة وكفاءة وصلاح وفضيلة. بالنّسبة لكثيرين اليوم إمراه متعلّمة مثقفة صالحة مستقيمة فكرياً ونفسياً كفوءة وغير متسلطة أفضل بكثير من رجل متسلط جاهل غير كفوء لتولي قيادة وتعليم ورئاسة كنسيّة. الطرح شائكٌ ولكن ليسَ مستحيلاً. فإيماننا مغيب منذ 2000 عام وهو أنّ الإنسان، ذكراً وأنثى، متساوٍ أمام الله في الصّورة والكرامة والقيمة والفضيلة. فالتمايز في الوظائف يعطي للكنيسة حرية اختيار القيادات وحرية الحركة، وتعطي الخدمة لمن يملك موهبة أو مواهب الخدمة. ماريّا قباره
معاً لقراءة جديّة وهادئة - (الجزء 2) دونية المرأة في كتابات الآباء إنّ رواية الخلق في سفر التكوين لم تسرد تفاصيل وجود الحياة في جنّة عدنٍ بحسب الرواية الكتابيّة، أمّا الرمزية الّتي اتخذتها فيما بعد كانت أساساً قوياً لشرعنة وقوننة واضحة لكلّ التفسيرات الآبائية على أساس وفهم ذكوريّ ممّا عزز التّمييز بين الجنسين لصالح الرجل. تجدر الإشارة في هذا السّياق إلى أنّ معظم معلمو الكنيسة وكتّابها لم يطرحوا مسألة المرأة بصورة مستقلة ومباشرة، بل طرحوها في أطرٍ وظروف إشكاليةٍ تناولت موضوع البتولية أو الزواج أو الموت. حتّى أنّ الكثيرين منهم غالباً ما عبّروا بقوّة عن آرائهم السّلبية ضدّها، لكن سرعان ما طورّوا نظرتهم الإنسانيّة إليها مناقضين بذلك آرائهم السّابقة في سنوات معدودة. فالذّهبيّ الفمّ، على سبيل المثال لا الحصر، الّذي كان يُشدّد في عظاته الّتي تعود إلى بدايات حياته الرهبانيّة على سلبيات المرأة، وهذا نراه بوضوح في إحدى نصائحه لصديقه ثيوذوروس الّذي كان معجباً بامرأة جميلة وأراد ترك طريق الرهبنة ليتزوّج منها، فيقول في مقال له حول البتولية: " لو تأملّت يا ثيودوروس ما تخفيه هذه العيون الجميلة وهذا الأنف القويم، والفمّ المرسوم، والخدود الغضّة، لتأكدّت أنَّ هذا الجسم الممشوق ليس سوى قبر أبيض، أعضاؤه مليئة بقاذورات لا حدَّ لها". وبخلاصة حديثه يقول: "من يخطئ يكون قد سقط في الضّعف البشريّ، ومن يستمر في هذا الخطأ تبطل إنسانيته ليصير شيطانًا". يقول الذّهبي الفم في عظة ثانية مفسراً الصّورة الإلهية في الكتاب المقدس، وفيها يرى المرأة كائناً أدنى من الرجل، وليست صورة الله مثله، بل صورة ومجداً للرجل، يقول: "من يعتقد أنَّ التعبير "صورة" يجب أن يُفهم بمعناه الواقعي، نردّ عليه ونقول: في هذه الحالة، يجب ألاَّ نُسمّي الرجل فقط صورة. فالمرأة، أيضًا، يجب أن تُسمّى صورة، لأنَّ لكليهما الشكل نفسه. لكنَّ هذا أمر غير معقول. فاسمعوا ما يقوله بولس: "على الرجل ألاَّ يعتمر لأنَّه صورة الله ومجده (...) أمَّا المرأة فهي مجد الرجل" (1كورنثوس 7:11). هو يسود وهي تخضع كما قال لها الربّ منذ البدء: "وإليه تنقاد أشواقك وهو يسودك" (تكوين 16:3). ولأنَّ الكلمة الأولى تقول إنَّ الرجل يشارك في صورة الله لا في شكله، يمارس الرجل الهيمنة الشّاملة بينما تكون المرأة خاضعة. ولهذا يُعلن بولس أنَّ الرجل هو صورة الله ومجده، بينما المرأة هي مجد الرجل". يُظهر لنا هذا المقطع بوضوح أنَّ الذهبيّ الفم لا يعتبر المرأة صورة الله مثل الرجل، لا لأنَّها لا تستطيع ممارسة السّلطة وحسب، بل لأنَّ جسدها يختلف عن جسد الرجل، حتّى وإن كان شكلها من شكله. وبما أنَّ جسدها برأيه مُغرٍ، اعتمد الذهبيّ الفم على هذه الفكرة ليُبرّر عدم أهليّة النّساء للكهنوت، لأنَّ شكلهنَّ بنظر الرجل بعامّة ملفت. فها هو يقول في مقالته حول الكهنوت في كتاب منسوب له "في الكهنوت: "حين تقتضي المسألة رئاسة الكنيسة وهداية النفوس، وبما أنَّ رجالاً كثيرين ينسحبون أمام واقع هذه المهمّة العظيمة، فإنَّ المرأة غير مؤهلة لها بسبب جسدها (...). فأنا لا أبالغ حين أقول إنَّ الفارق بين الراعي ورعيته هو كالفارق بين البهائم والأشخاص العاقلين"، ويضيف في موضع آخر مقولته الشهيرة "لا أستطيع أن أجد أيّ شيء جيد في المرأة، فمن بين وحوش البريّة المفترسة يستحيل عليكَ أن تجد حيوانًا أشدّ أذى من المرأة". هذه المقاطع القاسية بحقِّ المرأة والتي يتفوّه بها راعٍ بارز وقمر من أقمار الكنيسة الأرثوذكسية العِظام، تتناقض مع تعاليم يسوع وصورة المرأة في الكتاب المقدَّس، كما أنَّها تتناقض مع واقعٍ راعوي عاشه، إذ أشرف هو نفسه على إنشاء بيتٍ خاصّ بالعذارى والأرامل من بنات الأشراف في القسطنطينية، وجعلَ نفسه أسقفًا لهنَّ وأبًا. فقد ارتبط اسم يوحنّا الذهبيّ الفم بالشمَّاسة أولمبياس، التي أعجب بشخصها وإيمانها وحبّها لله وسخائها في العطاء مع نسكها واتضاعها. فخصَّها باهتمامه، واستغلَّ طاقاتها في الخدمة، حتى بات اهتمامه بها معروفًا في القسطنطينيّة كلّها. لذلك عندما نُفي انصبت عليها اضطهادات كثيرة، لكنَّه تلّقى منها رسائل تعزية اعتبرت مصدرًا مهمًا لتاريخ حياته في محنته الأخيرة، هي التي قد قالَ فيها القدّيس غريغوريوس النزينزي: "أولمبياس مجد الأرامل في الكنيسة الشرقيّة". وقال فيها الأسقف المؤرخ بالاديوس: "امرأة عجيبة، تشبه إناءًا ثمينًا مملوءًا بالروح القدس". فجاءت رسائل الذهبيّ الفم إلى الشمَّاسة أولمبياس لتكشف لنا، في تناقض واضح، رؤية مغايرة عمَّا سبق ورسمه هذا القدّيس للمرأة. فهي عنده صديقة صدوقة، كنَّ لها أشدّ الإعجاب. فأولمبياس سيطرت بإيمانها وفضائلها وخدمتها على قلوب آباء الكنيسة، وأصبحت رسائلها عزاءً لأسقفها أيام محنته، والذي لم يتجرأ أقرب الرجال إليه، من مراسلته ومن تخفيف وطأة حزنه. وقد كتب لها في رسائله الجوابيّة ليس فقط عزاءً، بل شاطرها آلامه وأفكاره أيضًا. ولعلَّنا نستطيع أن نقول أنَّ خبرته مع أولمبياس غيَّرت نظرته إلى المرأة. فهو كرّس حياته للعلم وللرهبنة ولم يتح له معرفة المرأة عن كَثب. جلَّ ما عرفه كان مرتبطًا بواقعٍ مجتمعيّ رسمَ للمرأة صورة سلبيّة. غير أنَّ صداقته ومعرفته بأولمبياس فتحتا أمامه إمكان رسم صورة إيجابيّة صحيحة عن المرأة: هي كما الرجل قادرة على عيش تعاليم المسيح، وعلى اقتناء الفضائل وعلى تعزيّة المأسورين وعلى فتح قلبها لمحبّة الفقراء. كلماتها المعزيّة وسيرتها الفاضلة ووقوفها في وجه الامبراطور جعلت الكثيرين يمدحونها قائلين: "إنَّ الامبراطورة أفذوكسيا تسمع آيات الإكرام والتبجيل من كلِّ بقاع العالم، أمَّا أولمبياس فتسمع تنهدات العالم كلّه ودعواته". هذه السّطور القليلة، لهيَ عندنا كافية لتُخبرنا عن الصّورة التي رأى فيها الذهبيّ الفمّ المرأة السّائرة بحسب الإيمان. مما يعني أنَّ بعض عظاته والتي أشرنا إليها أعلاه والّتي تناولت المرأة من وجهة نظر سلبيّة كانت وليدة ظروف معينة لأنّه سرعان ما تجاوز هذه النّظرة السّلبية بصداقته ومعرفته بالشّماسة أولمبياس. فالنّقد ليس بعرفنا نقدًا تناول كيان وإنسانية المرأة، بل سلوكًا مرفوضًا عند الجنسين. وإلاَّ كيف نفسّر أنَّ هذا الرجل البارّ، الذي اعتبر في عصره رئيسًا على نصف العالم المسيحيّ، والّذي على الرغم من منفاه والحزن الذي كان فيه، كتب سبع عشرة رسالة إلى امرأة؟ إنَّ يوحنا أطلق على أولمبياس في كلِّ رسائله عبارة "أختاه"، توحي هذه العبارة بالمساواة، وقد درج الرجال على استخدامها إذا ما شاؤوا أن يرّفعوا من قيمة المرأة وجعلها ندًّا ومعادلاً لهم. رهبنة النّساء بزيّ الرجال إشكاليّة سلبية كبرى صنعتها أيضاً كتابات ونصوص الآباء والكتّاب المسيحيون وآرائهم عن المرأة الّتي تنافت في حدّ كبير منها عن روحية الانجيل ودعوة يسوع المسيح للمساواة والكرامة والتكامل بين الرجل والمرأة. أمام كلّ الافكار الدونيّة العدائية التي وصلت لدركٍ يسحق كلّ من تُفكّر بشكلٍ مختلف، وكلّ من تحترم وتكرّم طبيعتها الأنثوية. في القرن الرابع عاشت القدّيسة سنغليتيكي متوحدّة بجوار الاسكندرية. وتعتبر سيرتها واحدة من أقدم وثائق سير قديسيّ الرهبنة الشرقية. كانت الراهبة سنغليتيكي واحدة من أمهات البرية القلائل التي وصلت سيرة حياتها وأسلوب حياة ديرها في الرهبنة النسائية. كان لها تلميذات كثيرات في الدّير، والّتي أخذت في تعليمهنّ وتدريبهنّ عن التخلّي عن طبيعتهنّ الأنثويّة الّتي كانت تعتبرها كما الكثيرون من الآباء القدّيسون أنّها مصدر كلّ شرّ- من الجدير ذِكره أنّ هذا الاسلوب الرهباني النّسائي ما زال متبعاً لليوم في كثير من أديرتنا الشّرقية عامة والأنطاكيّة خاصة. إنّ سيرة حياة القدّيسة سنغليتيكي وأقوالها نقلها القدّيس أثناسيوس الكبير الّذي كان بطريرك الاسكندرية آنذاك. لم تدافع الأمّ سنغليتيكي عن صورة المرأة الّتي فيها أمام أترابها من رهبان البرية وذكورية مجتمعها الّذي عاشت فيه، بل أخذت تتنكّر من طبيعتها بقولها: "أنا صورة امرأة بالطبيعة لكنّي رجل في جهادي وأفكاري". وقد روّجت الكثير من الراهبات والنّساء المعروفات والمؤثرات في ذلك الوقت بأنّ من تتنّكر لطبيعتها الأنثوية فهي تسير في اتجاه الإيمان الصحيح مبتعدة عن الخطيئة الّتي تكمن في جسد المرأة. وما الرهبنة الحقيقية إلاّ للرجال! وضِمن هذا السّياق آثرت بعض النّساء الترهبن بزيّ الرجال كالقدّيسة إفروسيني وثيوذورا ومارينا وغيرهنّ. فثيوذورا الّتي خانت زوجها مع آخر شعرت بالإثم والذنبِ تجاهه، فحاولت الانتحار تكفيراً عن إثمها، إلاّ أنّها عادت لتّتخلى عن أنوثتها فشوّهت وجهها وقصّت شعرها ولبست زيّ الرجال وذهبت إلى أديرة الرهبان لتقضي حياتها كراهبٍ فيها. أمّا إفروسيني الّتي عندما توفيت والدتها هربت من والدها الّذي كان من أشراف مدينة الاسكندرية لتتنكّر بزيّ الرجال وتدخل ديراً للرهبان مدعية أنها خصيّ وأن اسمها سماراجد. حيث أمضيت في الدير 38 سنة في نسكٍ صارم اشتد عليها المرض وماتت حيث عُرف سرّها بعد موتها. أمّا الراهبة مارينا الّتي دخلت ديراً للرجال باسم مارين. اتهمتها إمرأة بأنّها أقامت علاقة معها وأنجبت منها ولداً، إلاّ أنّ مارينا لم تدافع عن نفسها بل آثرت استكمال دور الرجل الّذي لبسته، فطُردت من الدير لتربيّ الطّفل. ثمّ عادت ولم يعرف أحد سرّها وحقيقة أمرها إلاّ بعد موتها. إنّ كتابات بعض الآباء والكتّاب المسيحيون رسخت بشكلٍ كبيرٍ دونية المرأة عبر لومها المستمر، وتحميلها مسؤولية الخطيئة الأولى، فكانوا يلقبونها ببوابة الشّيطان، وينادوا بأن تحتقر المرأة نفسها، وتلبس الملابس القبيحة وتجاهد لتهمل من مظهرها وتبكي لتكفر عن عصيان حواء قديماً. أكلت حواء، كما أكل آدم من شجرة معرفة الخير والشرّ المغرية، والّتي تتوسط عدنٍ لفترة من الزمان بحسب ما تروي رواية الخلق. أخطأ الاثنان أمام الله وسقطا معاً. لكنَّ التّاريخ البشريّ غفر لآدم وجعله ضحيّة إغواء حوّاء، وسلطوا على طبيعتها الأنثوية كلّ الاتهامات الّتي من شأنها تخضع قهراً لسلطان آدم- الرجل. ماريَّا قباره إنّ حريّة الدّين أو المعتقد دعامة أساسيّة لقيام أيّ نظام ديمقراطيّ حديث. وحرية الدّين هو مفهوم سياسيّ ومجتمعيّ تضمن فيه الدّولة حريّة العِبادة دون التضييّق على أصحاب أيّة عقيدة في الإيمان أو الفكر أو الممارسة. يمكن لكلّ منّا أن يقرأ في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "أنّ لكلّ شخص الحقّ في حرية الفكر والوجدان والدّين. ويشمل هذا الحقّ حرية تغيير دينهم أو معتقدهم، وحرية إظهار دينهم أو معتقدهم بالتّعليم والممارسة والعبادة وإقامة الشعائر، سواء بمفردهم أو مع جماعة، علانية أو سراً". إلاّ أنّ هذا الإعلان في بلاد SWANA، منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا، يصطدم بالقوانين والمشاعر الدينيّة الّتي تدعمها دساتير دول الشّرق الأوسط لتصبح ذريعة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك التّي تؤثّر على النّساء والفَتيات والأشخاص الّذين ينتمون إلى الأقليات الدينيّة والإثنية، أو غير المؤمنين والأشخاص على أساس ميولهم أو هويتهم الجنسيّة. حول حرية الدّين أو المعتقد FoRB اختتم اللّقاء التشاوري أعماله والمنظَّم من قبل جامعة دار الكلمة- فلسطين، والمنتدى الأكاديميّ المسيحيّ للمواطنة في العالم العربيّ (Cafcaw) في مدينة ليماسول في جزيرة قبرص. حيث نوّه القس البروفيسور متري الراهب رئيس الجامعة، مع د. باميلا شرابيه منسّقة أعمال (Cafcaw) ومديرة برنامج اللقاء التشاوري على أهميّة هذا اللّقاء ومناقشة محاوره ضمن مقاربة شموليّة لمفهوم الحريّة والّتي تضمن الحريّة السياسيّة والدينية والثقافيّة والفكريّة في مواجهة النزاعات وبناء مجتمعات سليمة شاملة. وقد تركّز نقاش اللّقاء حول ثلاثة محاور رئيسيّة في سياق منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا: الأجندات السياسيّة، حقوق الأفراد والجماعات الدينيّة وغير الدينيّة وإدارة التنوّع، قوانين الأحوال الشخصيّة والمساواة الجندريّة، مُتضمناً ورشات عملٍ وعروضِ أوراق بحثية ونقديّة. فقد عمِل المُشاركات والمشاركون من اختصاصيّات واختصاصيّين في علم اللاهوت والعلوم الإنسانيّة والسيّاسة والقانون ونشطاء في شؤون سياسيّة واجتماعيّة وقانونيّة شتّى أتوا من المَشرق العربيّ ومصر والخليج والمغرب العربيّ وأوروبّا على مسوّدة نصٍّ هو بمنزلة ردٍّ من منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا على إشكاليّة حرّيّة الدّين والمعتقد، على أن يَصدر النَّصّ النهائيّ في منتصف شهر كانون الأول. وقد شدّدت هذه المسوّدة على أنّ هذه الحرّيّة يجب مقاربتها بوصفها جزءاً لا يتجزّأ من مفهوم الحرّيّة كحقّ إنسانيّ عامّ، علماً بأنّ هذا الحقّ يعبّر عن ذاته في مجالات شتّى، غير أنّه لا يتجزّأ ولا يمكن اختزاله بجانب واحد دون سواه. ومن جهة ثانية، أكّدَ المشاركات والمشاركون أنّ الدين بالذهنية الطائفيّة المُستعملة في بلادنا ما زال يفرّق في ظلّ غياب العدالة في قوانين الأحوال الشخصيّة التي تحكمها المؤسسات الدينيّة على اختلاف طوائفها. هذا إضافة إلى انتهاكات لحقوق الإنسان ونقص في المساواة بين الأفراد والفئات المجتمعيّة، والعدالة بين الجنسين. نحن لسنا بحاجة لحرية دينيّة في الإيمان بل نحتاج إلى حرية دينية للجماعات غير الدينيّة ليكونوا أحراراً من السّلطات والمؤسسات التي تتحكّم بالدّين، وفصل الدّين عن الدولة والسياسة. ماريّا قباره
العدد السادس - مجلة تيلوس (الجزء 1) تشهد الدّراسات الكتّابية واللاهوتيّة في السّنوات الأخيرة حركة كبيرة تتمركز حول موضوع المرأة في الكّتاب المقدّس، وانعكاساته على دورها ومكانتها في كنيسة اليوم. والرأي السّائد كنسياً وكتابياً يُفيد بأنّ يسوع قد حرّر المرأة من العادات والتقاليد التي كانت تحدّ دورها بالأعمال المنزلية والعائليّة، في بيئة يهودية لا ترحمها. فإذا كانت المرأة، في الكتاب المقدَّس، ومن منظار اللاهوت المسيحيّ، مخلوقة على صورة الله ومثاله، كما جاء في مستهلّ سفر التكوين "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى خلقهم" (27:1)، فهذا يعني أنَّ المرأة كالرَّجل، إنسانٌ تامّ على صورةِ الله، وفي صورة الله لا وجود لرتبٍ ودرجات ولا فضل لإنسان على آخر، إذ إنَّ الكلّ مدعوّ إلى الخلاص، يناله كلّ إنسان، سواء أكان رجلاً أم امرأة، بمقدار ما يجتهد في تنمية مواهبه المُعطاة وإذكائها وإكثار وزناته. انطلاقًا ممَّا تقدَّم، تتبدَّى صورة المرأة ورؤيتها أمام الله مساوية للرجل، مخلوقة على صورة الله. فالجِنسان لهما القيمة الأنثروبولوجيّة ذاتها. المرأة تملك، أسوة بالرجل، امتياز مخلوقيّتها على صورة الله، وهي تتساوى معه بالفضيلة والأمانة والثواب وفي النّضالات المجتمعيّة. غيرَ أنَّ المتعمّق في قراءة آيات بولس الرسول والكثير من النّصوص الآبائيّة الّتي تناولت المرأة يتوقّف مطوّلاً عِند التفاوت والتناقض في النّظرة إليها في كتاباتهم هذه. فمُنهم من أسقط عليها صورًا سلبيّة، في حين بعضهم الآخر تحدَّث عنها بإيجابيّة. فها هو ترتوليانوس، في كتابه "تبرّج النساء"، يحمل بقسوة على المرأة ويُلصق بها أسوأ النّعوت، إذ يقول بأنَّ المرأة: "باب الشيطان، وأوّل من أكلَ من الشجرة المُحرّمة، وهي الّتي أغوت الرّجل الّذي لم يستطع الشيطان نفسه غوايته على نحوٍ مباشر، كما أنَّها هي الّتي حطمت بسهولة صورة الله الّتي هي الرجل". في حين يقول القدّيس غريغوريوس النّيصصيّ: "إنَّ المرأة، بالتساوي مع الرجل، هي على صورة الله. الجِنسان لهما القيمة ذاتها. الفضائل متساوية بينهما". ويقول القدّيس باسيليوس الكبير: "إنَّ الرجل والمرأة متساويان، آباء الكنيسة لا يفرّقون بين الرجل والمرأة في الخلق على صورة الله. ويكرّمون طبيعتيهما بالتساوي، ففضائلهما متساوية، ومكافأتهما متعادلة، وكذلك دينونتهما". فإذا كان الأمر كذلك، كيف نفسّر هذا الاختلاف في النّظرة إلى المرأة ودورها عند الآباء والكتّاب الكنسيّون عبر التاريخ؟ وما هي علاقة هذه الصّور بهيكليّات المجتمع الذكوريّ وذهنيّته والحضارات واللّغات الّتي نَمت عبرها كتاباتهم، ما طمس حدّة الإنجيل وجدّته؟ وهل بالإمكان فصل المُعطى الحضاريّ والثقافيّ والاجتماعيّ عن المُعطى الإلهيّ في ما يتعلّق بصورة المرأة في كتابات الآباء؟ بمعنى آخر، لماذا ناقضَ بعض الآباء والكتّاب المسيحيون روحيّة الإنجيل، ناعتين المرأة بأنَّها دون الرجل، وبأنَّها مصدر كلِّ شرّ؟ ولماذا اجتزأوا آيات من رسائل القدّيس بولس تحجّم المرأة وتقزّم دورها في الكنيسة؟ ولماذا حرَّم عليها بعضهم الآخر وظائف كالتعليم والوعظ داخل الكنيسة، علمًا أنَّ غريغوريوس النيصصيّ يقول عن أخته مكرينا إنَّها معلّمته ومعلّمة أخيهما باسيليوس؟ ولماذا أوكلت هذه الوظائف والواجبات إلى الرجل فقط، ما رسّخ سلطته وجعله يحكم على النساء بالدونيّة والاستلاب؟ علمًا أنَّه في الكتاب المقدَّس "ليس يهوديّ ولا يونانيّ. ليس عبد ولا حرّ، ليس ذكر وأنثى لأنَّكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غلاطية 28:3)، كما علَّم بولس الرسول. دونية المرأة في كتابات الآباء _______________________________ لقد حاول معلموّ الكنيسة وكتّابها على مرّ التاريخ من تبخيس دور المرأة وتدجينها والسّيطرة عليها عبر تبني وتصدير نصوص وقوانين معينة من شأنها الحدّ من مكانتها ودورها في الجماعة الكنسيّة. وخاصّة تلك المتعلقة بآيات بولس الرسول ورسالته إلى تيموثاوس الأولى الّتي جاء فيها: "لتتعلم المرأة بسكوت في كلّ خضوع" (11:2) هذه المقولة لبولس الرسول كانت إجابة مستمرة لمنع المرأة من الوصول إلى اعتلاء منصباً كنسياً أو دوراً قيادياً عبر التاريخ الكنسيّ. واعتمدت هذه الآية كنصّ صريح في مسألة منع المرأة من تولي المناصب التعليميّة واللاهوتيّة بالرغم من أنّها ليست من روح تعليم يسوع المسيح ولا فكره. وإن عُدنا إلى تطوّر النّظام البطريركيّ الذي بدأ منذ ألفيّ عام ونيّف قبل الميلاد سنجد أنّه بُني على أساس أنّ الرجال والنساء خُلقوا على نحو مختلف ولهدف مختلف. فالرجال لهم ذهنٌ متقّد وذكاء يستطيعون بهما القيادة والترأس. بينما النّساء هنّ أقل في المستوى الفكري، وبالتالي عليهنّ أن تكنّ خاضعات ومتكلّات على الرجال. إلاّ أنّ هذه الأفكار الذكورية، وعلى مرّ التاريخ المسيحيّ، اعتنقت لتكون بمثابة أوامر إلهية، وأصبحت كتعليم مقدّس ضمن المنظومة التعليمية التربوية على جميع المستويات " لأنّ آدم جُبل أولاً ثم حواء، وآدم لم يغوَ، لكنّ المرأة أغويت فحصلت في التعدّي" (1تيموثاوس13:2 – 14) إنّ رواية الخلق في سفر التكوين لم تسرد تفاصيل وجود الحياة في جنّة عدنٍ بحسب الرواية الكتابيّة، أمّا الرمزية الّتي اتخذتها فيما بعد كانت أساساً قوياً لشرعنة وقوننة واضحة لكلّ التفسيرات الآبائية على أساس وفهم ذكوريّ ممّا عزز التّمييز بين الجنسين لصالح الرجل. ماريا قبارة
لم تكن العذراء مريم في حالة صمت كما تتداولها كتب وعظات الكهنة والرهبان ذوي وجهات النظر الضيقة... لقد جعلوا العذراء مريم بقائمة ممتدة في الطاعة والصمت. ان خضوع العذراء هو خضوع لكلمة الله وليس لمجتمع يهمش المرأة ودورها... العذراء مريم هي الأم الأمينة لمخطط الله الذي أعلنته في يوم دعوتها.... هي الأم الحاضرة... الأم الشجاعة... الأم المغمورة بنور القيامة. العذراء مريم لم تكن صامتة....هي التي كانت عند الصليب تصرخ من الألم في اللحظات الأخيرة لابنها مرافقة له. لقد سجلت الأناجيل حضور الأم العذراء دون أن تنقل شيئاً عن حالتها أو توصف آلامها. لقد جعل تاريخ الكنيسة العذراء "خادمة" لمجتمع حصر المرأة في إطار طاعة وخضوع شوّه صورة الله فيها لصالح الرجل سواء في العائلة أو في المؤسسات الرهبانية. ولليوم ومازال البعض من الضيقي الافق يحصر المرأة إما في العائلة كزوجة وأم أو في الدير كراهبة. وهذا يضع شهادة الكنيسة بإيمانها أمام وضع حرج في هذا المجتمع الذي يزداد في التقليدية والفكر الأصولي مستغلا نموذج العذراء لتعظيم بعض الفضائل التي يجب أن تتميز بها المرأة كالتواضع والطاعة والخضوع... هذا التعظيم برأيي مَرضيّ وغرضه إبعاد المرأة وتهميشها عن أية مشاركة عامة أو إدارية خاصة في الكنيسة ليستأثر بها الرجل أكثر فأكثر. ماريا قبارة
يُعتبر العهد الجديد، بالوقت عينه، عهدًا متمّمًا وفاصلاً للعهد القديم، ليس فقط على مستوى العقيدة والشرائع المسيحيّة، بل، أيضًا، على مستوى الرؤية الأنثروبولوجيّة للإنسان، لا سيّما في ما يتعلّق برؤية يسوع للمرأة. فعديدة هي الآيات الإنجيليّة التي تناولت المرأة في كيانها الإنسانيّ والمجتمعيّ والحقوقيّ. ولعلَّها تُفصح لنا عن موقف يسوع النموذجيّ منها. إذ إنَّه، نظرَ إلى النّساء نظرة احترام وتعاطف واحتضان، متخذًا حيالهنَّ موقفًا يدعو إلى الدهشة؛ موقفًا جعلَ التقاليد السّائدة تنعكس وتنقلب مُلغية الحَظر عن النواهي إلى درجة صَدم فيها بيئته وخصوصًا تلاميذه أنفسهم. وهذا ما سنتحدّث عنه عبر لقاءاته مع النّسوة اللّواتي اِستعدن معه مكانتهنَّ في العهد الجديد. فتحرير المرأة، الّذي سعى إليه يسوع، هو تحرير جذريّ يتخطّى استعادة حقوق مهدورة أو كرامات مجروحة، لا بل إنَّه تحرير للكائن البشريّ في عمقه؛ تحريرٌ شبيه بإعادة الخلق. فكأنّي بيسوع محرّر المرأة يعيد خلقها من جديد، صائرًا بذلك مصدر وجودها وأساسه. حتّى نفهم هذا الواقع اخترنا في مقالنا هذا بعض الأمثلة من العهد الجديد. أمثلةٌ تتحدَّث عن نساء التقى بهنَّ يسوع، وكانت له الكلمة الأخيرة في انتقالهنَّ من حالٍ إلى حالٍ أفضل، من المرض إلى الصحّة، ومن الخطيئة إلى النّعمة. بعض هؤلاء النّسوة امتزن بأمانة صادقة وإيمان عظيم، لم يشهد يسوع مثيلاً له في اسرائيل كلّها. وبعضهنَّ الآخر امتاز بمحبّة عميقة وبطوليّة رائعة. نبدأ من واقعة نقلها لنا الإنجيليّ متّى حول أسباب الطّلاق في اليهوديّة، إذ أجاب المسيح سائليه بما يلي: "إنَّ موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِن لكم أن تطلّقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا" (متّى 8:19). في هذه الآية يتابع يسوع تعديلاته على التشريعات اليهوديّة، موضحًا فكرة أنَّ التدبير الإلهيّ يتطوّر مراعيًا قساوة القلب البشريّ. إنَّ المتمعّن في قراءة العهد الجديد، لا بدَّ له من أن يستنتج أنَّ يسوع يظهر كمصلحٍ للعهد القديم. غير أنَّ إصلاحه هذا يحافظ، في كثير من الأحيان، على بعض تعليم العهد القديم. حتّى نفهم هذا الإصلاح، لا بدَّ لنا من العودة إلى متن الآيات الإنجيليّة. ففي إنجيل لوقا، يقوم الرسول، على سبيل المثال، بمقارنة شخص العذراء مريم، أيّ حواء الثانية، بشخص حواء الأولى، لا سيّما في حديثه عن البشارة. نقرأ في هذا الإنجيل أنَّه عندما أتى الملاك جبرائيل مبشّرًا العذراء مريم بالحبل بعمانوئيل، أطاعت مريم مشيئة الله قائلة: "ها أنذا أمة للربّ، ليكن لي حسب قولك" (لوقا 38:1). يعيد جوابُها هذا دَين المعصية عند حواء الأولى. فإذا كانت المرأة قد جاءت من الرجل في سفر التكوين فها هو آدم الجديد، أي يسوع في العهد الجديد، يأتي من المرأة. المرأة في الأناجيل وأعمال الرسل من وجهة نظر اجتماعيّة، كان يسوع جريئًا في التّعامل مع المرأة. ولعلَّه كان ثوريًّا فيما يتعلّق بقضيّتها في عصره. فمن الأمثلة الواضحة على هذا الطرح حواره مع المرأة السامريّة، الذي أثار دهشة تلاميذه لكونه يتحدَّث ليس فقط إلى سامريّة بل، أيضًا، إلى امرأة (يوحنّا 1:4-38). وبمتابعتنا قصّة يسوع والمرأة السامريّة نجد أنَّ في الكتاب المقدَّس ليست هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها لقاء مهمّ بين رجل وامرأة قرب بئر الماء. فهناك لقاء رفقة بالخادم الذي أرسله إبراهيم (تكوين 10:24-26)، ولقاء يعقوب براحيل (تكوين 10:29-12)، ولقاء موسى بابنة كاهن مديان (خروج 15:2-17). لكنَّ لقاء يسوع بالسامريّة هنا اختلفَ عن كلِّ ما سبق في العهد القديم. لذلك استغربت السّامريّة طَلب يسوع قائلة: "أنت يهوديّ وأنا سامريّة، فكيف تطلب منِّي أن أسقيك؟" (يوحنّا 9:4). ونحن نعرف من الكتاب المقدَّس أنَّ اليهود لا يخالطون السامريّين. فهناك عداوة متأصّلة منذ أربعة قرون تقريبًا. فعندما شيَّد السّامريّون هيكل جرِزيِّم قبالة هيكل أورشليم حوالي عام 332 ق.م. كان اليهود يعتبرون السّامرييّن أكثر شرًّا من الغرباء وعبدة الأوثان. وهم يمثّلون شيعة مكروهة جدًّا لأنَّها شوّهت وأفسدت أثمن ما في الديانة بسبب الانحراف إلى عبادة آلهة كثيرة. وأيضًا، كان السامريّون يعامِلون اليهود بالمثل، يظهرون لهم الكراهية والضغينة ويرفضون ضيافتهم عند مرورهم في بلادهم زمن الفصح (لوقا 52:9-53). بحسب المفهوم اليهوديّ، إذًا، تتجمّع في شخص السّامريّة ثلاثة أسباب توجب يسوع أن يبتعد عنها في الحوار معها: أ. إنَّها امرأة، والقاعدة العامّة في الشّرق ألاَّ يوجّه الكلام إلى امرأة على انفراد في مكان عامّ. ب. إنَّها خاطئة، كان لها خمسة أزواج وتعيش مع سادس ليس زوجها. ت. العداوة بين اليهود والسامرييّن، كما سبق وأشرنا. أمَّا يسوع، فقد ضربَ عرض الحائط بالتّقاليد والعادات والمفاهيم اليهوديّة والسّامريّة بحسب مفهومه النّابع من حريّة شخصيّة مميّزة. نظرَ وتعاملَ معها كشخص بشريّ، امرأة بكلِّ أوضاعها الخاصّة ومشاكلها الإنسانيّة. لقد قبلَ يسوع، أيضًا، بين أتباعه نساء عديدات، كان المجتمع ينبذهنَّ آنذاك، كالمرأة التي ضُبطت في الزنى (يوحنّا 1:8-11). لقد تحدَّى يسوع فيها قساوة الشّريعة الّتي كان يبديها مجتمعه اليهوديّ حيال المرأة. يُخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّ الكتبة والفريسيّين أتوا بامرأة فيما كان يعلّم يسوع في الهيكل والشّعب مجتمع حوله، وأقاموها وسط حلقة وقالوا ليسوع: "يا معلّم، إنَّ هذه المرأة أُخذت في الزنى المشهود، وقد أوصانا موسى في الشريعة برجم أمثالها، فأنت ماذا تقول؟" (يوحنّا 4:8-5). لقد أرادوا من وراء ذلك أن يحرجوه، فإمَّا يناقض خطَّ الرحمة الذي اعتمده خطًّا له، أو يخالف شريعة موسى أمامَ المتشدّدين في تطبيقها من كتبةٍ وفريسيّين فيمنحهم بذلك ذريعة ليعتبروه كافرًا ومشجّعًا للزنى، وتاليًا مستحقًّا هو نفسه الموت "لأنّ الله أغلق على الجميع معًا في العصيان، لكي يرحم الجميع" (رومية32:11). لقد أُمسكت المرأة في زنى، أمّا هم فيفعلون الأمر نفسه في الخفاء. إنّهم يحافظون على الظّواهر، وعلى أهدابِ الثّياب العريضة، كما يبيّن ذلك الانجيلي متّى تفصيلاً: "الويل لكم أيّها الفريسيون المراؤون..." (متى 1:23-33). ولذا كان يسوع حاداً جدًا نَحوهم. إنَهم يكذبون على الله ولكنّ الله يرى في الخفاء. لقد تذرّع الفريسيّون بناموس موسى ليُمسكوا المرأة ولكنّ يسوع انحنى يكتب على الأرض دلالة على أنّه لا يأبه لمؤامرتهم، ولمّا بكّتهم ضميرهم، إذ جابههم يسوع بالحكم الحقاني الذي يتخطى حكم الناس. إنَّ التحامل على المرأة واعتبارها أصل الشرور كان باديًا، بشكل واضح وجليّ، في هذه الحادثة. فشريعة موسى، الّتي يستند إليها الكتبة والفريسيّون، كانت تنصّ على: "في حال رجل فعلَ الزنى مع امرأة متزوجة، أن يرجم الفاعلان" (لاويّين10:20؛ تثنية الاشتراع 12: 22)، وليسَ المرأة وحدها. والمرأة هذه أُخذت في الزنى المشهود كما ورد أعلاه. فأين صاحبها؟ لقد تخلّى عنها، تركها تواجه العقاب وحدها، وكذلك تواطأ معه الرّجال الذين قاموا بالمداهمة فتركوه يمضي واحتفظوا بالمرأة، وكأنَّ الوِزر يقع عليها وحدها. أليست هذه العقليّة سائدة حتّى الآن؟ ألا يقولون: "فتّش عن المرأة"؟ ألا يعتبر زنى الرجل المتزوّج ذنبًا يمكن التغاضي عنه، في حين أنَّ زنى الزوجة جريمة لا تغتفر؟ ألا تُلقى المسؤوليّة كلّها أو جلّها على الفتاة وحدها في حال حملت خارج الزواج أو حتّى في حال تعرّضها للاغتصاب؟ وفي حال إقدام امرأة على الخيانة الزوجيّة، هل يسأل أحد عن طبيعة معاملة الزوج لها والتي دفعت بها دفعًا إلى الخيانة؟ كلّ هذا واجهه يسوع عندما رُفعت تلك المرأة إليه من قبل القائمين على الشريعة. اتّخذوا من خطيئة المرأة ذريعة ليتحوّلوا عن مواجهة خطيئتهم الشخصيّة، ويمنحوا أنفسهم شهادة تبرير يستمدّونها من تمسّكهم بحرف الناموس، وحرصهم على تنفيذ أحكامه بحذافيرها بحقّ من اتّخذوها كبشًا للفداء. هذا ما أراده يسوع أن يلفتهم إليه عندما قال لهم: "من منكم بلا خطيئة فليتقدّم ويرجمها بحجر" (يوحنّا 7:8)، وأكبَّ يكتب على الأرض ليدع لهم مجال العودة إلى نفوسهم ومحاسبتها. وهكذا انسحبَ المتّهِمون الواحد تلو الآخر بعد أن انكشفت لهم حقيقتهم وتركوا المرأة وحدها في مواجهة يسوع الذي وقفَ إلى جانبها في وجه تسلّط الرجال وظلمهم "فالأكثر إحساسًا بخطاياه يغادر أولاً". وقفَ معها رغم خطيئتها، فهو لم يكن مع خطيئتها لأنَّ الخطيئة هي عدوّة لها تؤذي إنسانيّتها. "أنا لا أحكم عليك (...) اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة" (يوحنّا 11:8). لقد ألقى يسوع الضوء في حالة هذه المرأة الزانية على مسؤوليّة الرجل وأدان الفعل وليسَ الإنسان. أمَّا قصّته مع المرأة النازفة الدم، ومغفرة خطيئة المرأة الّتي دهنته بالطيب في بيت سمعان الفريسيّ، فما هما إلاَّ تعبيران صريحَان على طرحنا بأنَّ يسوع عملَ انقلابًا جذريًّا في التّعامل مع المرأة. لم يتردّد يسوع في إبداء إعجابه علنًا بإيمان المرأة الكنعانيّة، في حين أنَّ المجتمع اليهوديّ آنذاك كان يهمّش المرأة حتّى دينيًّا. فقد قالَ علنًا للمرأة الكنعانيّة الوثنيّة: "ما أعظم إيمانك أيّتها المرأة" (متّى 28:25). نورد، أيضًا، نماذج عدَّة لنساء تبعن يسوع في الخدمة كما يخبرنا الانجيليّ لوقا (1:8-3). فيسوع قبِل بنساء قدّيسات (لوقا 1:8-3؛ متّى 1:25-13)، واعتمد، أيضًا، على كثيرات منهنَّ في خدمته (يوحنّا 26:19، 17:20)، إذ لم تقتصر هذه الخدمة على تقديم شيء من أموالهنَّ فقط، بل كنَّ أساسيات في عملِ الجماعة المسيحيّة الأولى. تجدرُ الإشارة في هذا السّياق إلى أنَّ يسوع اتّخذ المرأة نموذجًا في الكثير من الأمثال، كمثل الدرهم الضائع (لوقا 8:15-10)، ومثل العذارى العاقلات (متى 1:25-13)، وفلس الأرملة (لوقا 2:18-8). وسمَّى يسوع، أيضًا، لنفسه "إخوة وأخوات" (متّى 22:9؛ مرقس 34:6)، وتعامل في تعليمه وعجائبه مع المرأة مثلما تعامل مع الرجل. هنالك أمثلة عديدة تشهد على صحة هذا القول، ولعلَّ أهمّها، أيضًا، دور النسوة في اللّحظات الحرجة من حياة يسوع، لا سيّما عند صلبه. ففي حين تركه الجميع بمن فيهم تلاميذه عند الصّليب، يتحدَّث الإنجيليّون عن بعض النّسوة اللّواتي رافقن السيّد وقد تراءى لهنَّ، أوّلاً، بعد قيامته (مرقس 1:16-8). توضح هذه الأمثلة كلّها الأدوار الفريدة والاستثنائيّة التي قامت بها النّساء في عمل المسيح. احتلّت المرأة، أيضًا، موقعًا مهمًّا في حياة الكنيسة الأولى. إذ كان الاجتماع يتمّ في بيت مريم، والدة مرقس (أعمال 12:12)، حيث كانت الجماعة المسيحيّة "تواظب على الصلاة بنفس واحدة والطلبات مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته" (أعمال 14:1)، وقد عرفت الجماعة المسيحيّة دورًا حيويًّا للمرأة بعد العنصرة. أمام هذا الواقع الراهن واستمرارية طرح إشكاليّة وضع المرأة ليس فقط في الكنيسة وحسب، بل، أيضًا، في المجتمعات عامة، يقودنا إلى القول بأنّ المسألة ما زالت تطرح بثقلها على الجميع. لكن التمييز بين الرجل والمرأة الحاصل في حياة الكنيسة ما هو في عرفنا إلاّ من جرّاء حفظ بعض الترّسبات العائدة إلى العهد القديم والحضارات الشرقيّة المختلفة وما يتبعها من ذهنيَّات ملتصقة بمواقف الناس ونظرتهم إلى المرأة ودورها في الكنيسة. ولا بدَّ لنا ههنا من أن ننوّه أنّه في بعض المجتمعات الّتي أدركتها أفكار النهضة وحركات التحرّرّ في العالم، رُفع من شأن المرأة في مجالات التعليم والنشاط السياسيّ والاجتماعيّ وحتّى في المجال الديني. إنّ دور المرأة في المجتمع وفي الكنيسة مرتبط، أوّلاً وأخيرًا، بالنّظرة إلى الإنسان الآخر، وبنظرة الرّجل إلى المرأة، بحيث يصير الاثنان واحدًا بالمسيح، لأنّهما لبِسا كلاهما المسيح. ماريا قبارة
20/7/2022 فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا» إن لشخصية النبي إيليا الفذّة أعمق الأثر لا في المسيحية فحسب وإنما أيضاً في الديانة الإسلامية، فقد ورد ذكره مرتين في القرآن في سورة الانعام(85) وسورة الصافات(123). لقد اتصف النبي إيليا بغيرته على الإيمان وصلابته وعدم خوفه من قول الحق أمام طغاة عصره، فقد توحد إيليا مع الكلمة فاصطدم مع أكابر القوم وأصاغرهم، اصطدم مع كل أعداء الله. واجه الملك آحاب الذي انحرف هو وشعبه عن عبادة الله إلى عبادة البعل فوقف أمامه: "وَقَالَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي». بالنسبة لإيليا لا مكان للآلهة الكاذبة أمام الإله الحقيقي فكان رجلاً نارياً في الدفاع عن عبادة الله الواحد تجاه كهنة بعل. وكان أيضاً محامياً عن الصغار كما فعل مع نايوت اليزرعيلي مهددا الملك بالعقاب. تصور الكنيسة الأرثوذكسية النبي إيليا في أيقوناتها جالساً في الصحراء منتظراً الغربان الآتية بالطعام إليه من عند الله. لكن هناك أيقونات تظهر إيليا حاملاً السيف الدموي الذي بتر رؤوس كهنة بعل كما يخبر كاتب السفر. الله عند إيليا ليس عنيفاً بل لطيفاً كالنسيم العليل، وإيليا ليس بقاتل كما في هذه الأيقونة بل هو إنسان صانع المعجزات كما كثر الزيت والدقيق في بيت أرملة صرفة صيدا، وأقام ابنة الأرملة من الموت. إيليا ناسك زهد في البرية ليتذوّق لذة اللقاء والعيش مع الله. جاز الله إيليا فأخذه إليه في مجدٍ لأنه كان أميناً للثالوث الحيّ وما تشديد الكاتب على أن جثة إيليا لم توجد إلا لكي لا يتعبد الناس له (أو لغيره) وينسوا الإله الحي الذي وحده لا يموت. وسيبقى النبي إيليا بغيرته النارية مصدراً لإلهام الشجعان في كنيسة الرب في كل زمان ومكان أمام الظلم وشر وفساد هذا العالم بإظهار ونشر كلمة الحق غيرة نارية لا يؤكلها خوف أو ذلّ أو خنوع. Maria Kabara
Όταν ήρθε ο Ιησούς, μερικοί από τους Φαρισαίους και τους Γραμματείς είπαν: «διδάσκαλε, θέλομεν να ίδωμεν κάποιον σημείον, ένα θαύμα, από σε», τους απάντησε: «γενεά πονηρά, που επρόδωσε και κατεπάτησε την πίστιν της προς τον Θεόν, ζητεί τώρα με αξίωσιν θαύμα, που να μαρτυρή την αποστολήν μου. Τέτοιο όμως θαύμα δεν θα της δοθή, παρά μόνον ένα θαύμα, που προεικονίζετο από το σημείον του Ιωνά του προφήτου. Διότι, όπως ακριβώς ο Ιωνάς ο προφήτης έμεινε εις την κοιλίαν του κήτους τρεις ημέρας και τρεις νύκτας, έτσι και ο υιός του ανθρώπου θα είναι μέσα στον τάφον και τον Αδην τρεις ημέρας και τρεις νύκτας» (Ματθ. 12:38-40) Πολλοί πιστοί περιμένουν θαύματα και σημάδια από εδώ και από εκεί για να πιστέψουν, σαn να βγαίνει λάδι από μια εικόνα ή η Παναγία να εμφανίζεται στον ουρανό μας.... ή να περιμένουμε κάθε χρόνο μια φωτιά στον ουρανό για να ανάψουν τα κεριά του Πατριάρχη μέσα στον Πανάγιο Τάφο το Μεγάλο Σάββατο. Λανθάνει όποιος πιστεύει ότι αυτά τα φαινόμενα αποδεικνύουν την πίστη, όταν η πίστη είναι η ζωή που βιώνεται στην Ανάσταση και δεν είναι προώθηση για υπέροχα φαινόμενα. Είναι έθιμο τα τελευταία 10 χρόνια να γίνεται η μεταφορά του κεριού του Αγίου Φωτός από τον Πανάγιο Τάφο στην κατεχόμενη Παλαιστίνη και προς τις χώρες του κόσμου μέσω των μεταναστών εκπροσώπων της, όπου δημιουργήθηκαν οι αραβόφωνες χριστιανικές κοινότητές μας σε αυτές. Ένα φαινόμενο που χιλιάδες χριστιανοί περιμένουν όλο χαρά: το μεσημέρι του Μεγάλου Σαββάτου πριν από την Κυριακή της Ανάστασης, ο Ορθόδοξος Πατριάρχης εισέρχεται στην είσοδο του Πανάγιου Τάφου και μετά από λίγη ώρα βγαίνει με αναμμένα κεριά που άναψαν «αυτομάτως» και σπεύδουν όσοι πιστεύουν σε αυτό το φαινόμενο να το περιγράψουν «ως θαύμα». Ναι, είναι όμορφη και χαρούμενη αυτή η θρησκευτική αποδοχή για τον εορτασμό της μεταφοράς του κεριού του Παναγίου Τάφου από την Εκκλησία του Παναγίου Τάφου σε εμάς – άλλωστε οι περισσότεροι χριστιανοί δεν έχουν τη δυνατότητα να βρίσκονται στην Εκκλησία του Παναγίου Τάφου εδώ και μισό αιώνα λόγω της ισραηλινής κατοχής, όμως είναι λάθος να κάνουμε αντικείμενο εκμετάλλευσης αυτό το γεγονός και να το καταστήσουμε προϊόν εμπορίου και φανατισμού για μια υποτιθέμενη πίστη. Ποιο είναι το όφελος του Αγίου Φωτός σε μια γη που σχεδόν εξαλείφθηκε η χριστιανική παρουσία σε αυτήν από την πίεση της ισραηλινής κατοχής; Ποιο είναι το όφελος του παλαιστινιακού Αγίου Φωτός να διώκεται, να μεταναστεύει και να υποφέρει από τη γη του; Ο Άγιος Γρηγόριος ο Παλαμάς λέει: «Ο Θεός έγινε άνθρωπος για να γίνει ο άνθρωπος Θεός». Και η θέωση στην πίστη είναι δώρο του Αγίου Πνεύματος. Μήπως δεν είναι αυτό το καλύτερο θαύμα;! Ο εξανθρωπισμός του Θεού και η θέωση του ανθρώπου: αυτά είναι τα καλά νέα. Αυτό είναι το πραγματικό θαύμα: να γίνεται ο άνθρωπος Θεός κατά χάρη, να γεμίζει από το φως Του και να ξεχειλίζει από αυτό στον κόσμο, αυτό λάβαμε με πίστη. Όσο για ό,τι συμβαίνει εδώ και εκεί, είναι αποτέλεσμα αυτού του κόσμου! Το Μεγάλο Σάββατο ο Χριστός κατέβηκε στα βάθη της κόλασης για να σώσει τους δίκαιους της Παλαιάς Διαθήκης. Και την Κυριακή αναγγέλλουμε «Χριστός Ανέστη» όπως μας λέει ο Ιωάννης: «Κατά την πρώτην ημέραν του Σαββάτου, δηλαδή την Κυριακήν, η Μαρία η Μαγδαληνή έρχεται πρωί στο μνημείον, ενώ ακόμη ήτο σκοτάδι, και βλέπει ότι ο λίθος, που έκλειε την θύραν του μνημείου, ήτο σηκωμένος από εκεί». (Ιω. 20: 1) Στην Ανάσταση φωτιζόμαστε και ο Ζων που αναστήθηκε από τους νεκρούς και Εκείνος που μας ανέστησε, είναι μαζί. Οπότε ελάτε να πάρετε ένα φως από το Φως το ανέσπερο. ماريا قبارة
12 أذار 2022 إنّ المرأة لم تنعم يوماً بالمديح الّذي نجده اليوم في أكثر الأوساط الاكليريكيّة. فخُصصّت بأدوارٍ ساميّة ورموز روحانيّة، وهذا ليسَ إلاّ ظاهرة وطريقة لإبعاد المرأة عن أيّة حياةٍ تنظيميّةٍ في الكنيسة بإعادة شبه مستترة لنصّ الخلق. يعيدون طرح الأمر بطريقة ذكيّة تدّعي الدّقة الكتابيّة بأنّ الله خلقَ المرأة بطبيعة خاصّة، ودعوتها في الحياة دعوة نبيلة جداً بتوجهها إلى الأمومة. إنّ المجتمع التقليدي والبطريركيّ استغلَ نموذج العذراء مريم في البتولية والتكريس لتكون نموذج الأنوثة المثلى، في معناه التقليدي، أي تعظيم الفضائل التي يجب أن تتميّز بها المرأة كالتواضع والوفاء والخضوع لمشيئة الله. وهذا ما خدم مسيرة الرجل في حَصر وضع مريم الاجتماعيّ في المجتمع اليهوديّ -ذاك الزمان- ليطبّق على كلّ النساء بالمُطلق لكلّ الأزمنة. إنَّ المسيح لا يمثّلُ فئة الرجال فقط، والعذراء لا تمثّل فئة النساء فقط. كلاهما يخصّان البشرية جمعاء، رجالاً ونساءً، ولكن بصفات مختلفة. ومريم العذراء ليست نموذجاً دينياً للنساء فقط، لا بل على الرجال أن يقتدوا بفضائل مريم في إتمام مشيئة الله. وهكذا وَجدت المرأة نفسها مُبعدة عن أيّة حياة عامة وحُرمت من كثير من الحقوق الّتي استأثرَ ويستأثر بها الرجل. فاعتبرت المرأة إمّا ناقصة عقلٍ وغبية، وبالتالي، توضع تحت وصاية الرجل بالزواج، أو تمجيدها بالفضائل العليا وبالتالي تكون الأمور الدنيويّة غير لائقة بها فتتجّه إلى التكريس في الرهبنة. الأوساط اليوم مشبعة بتعظيم الكلام حول المرأة كأمّ ومربية ومعلمة ومثقفة...الخ، وكلّ هذا ما هو إلاّ زيادة في التهميش والإبعاد عن إدارة شؤون الكنيسة ومؤسساتها فتبقى متنازلة عن أدوارها بتواضع وخضوع لتتركها للرجل. أمسٍ الجمعة كان المديح الأول في مسيرة الصّوم الأربعينيّ المبارك، فساءلت نفسي وأنا أتابع هذه الخدمة في كنيسة القدّيس غريغوريوس بالاماس- اليونان عن ترتيب وجمال وعذوبة التراتيل لخدمة المَدائح الجليلة للسيّدة العذراء مريم من جبل آثوس- هذا الجبل الواقع في اليونان والذي يضمّ حوالي 20 ديراً من الرهبان الرجال. ومعنى اسم "جبل آثوس" بستان العذراء مريم، ولكن لا وجود لأيّة امرأة أو راهبة فيه. وأيضاً، ولشدّة حرص الرهبان على التكريس وإجلالاً لمَن اتخذوها شفيعة لأديارهم لا وجود لأنثى الحيوان على هذه الأرض إلاّ القطط لأنّها تصطاد الفئران والجرذان بمهارة. ومن جهة العذراء مريم فبالتأكيد ستقدّر جهودهم وجهادهم بأنّهم لم يستطيعوا منع الحشرات والطّيور والعصافير المؤنثة من الطيران فوق هذه المستعمرة الذكورية. أمّا عن رواية منع النّساء من الدخول إلى أديرةِ الجبل فتعُود إلى رواية تقول: أنّ "العذراء مريم كانت مع يوحنا الرسول في سفينة مبحرة إلى قبرص ورست السفينة بسبب حادث ما في هذه المنطقة، وأحبّت السيّدة العذراء هذه البقعة الجغرافية أكثر من أي بقاع الأرض- كما تقول الرواية- وطلبت من ابنها بصلاةٍ أن يمنحها إياها". وهكذا، وفي العام 1045 مُنعت المرأة من دخول هذه المنطقة. وبناء على كلام القدّيس ثيودوروس مُنعت أنثى الحيوانات أيضاً من التنزه في غابات المُستعمرة حيث يقول: "لا تحتفظ بأنثى حيوان، لأنّك قررت التخلي عنها في الحقل أو في البيت". فهل إعجاب العذراء مريم بهذا المكان يتطّلب كلّ هذا؟ لا بأس من التساؤل والاستغراب، وليس من باب سخرية أو ما شابه. فهل هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان البتولية (عدم الزواج) للرهبان؟ هل لهذه الدرجة يفقدون رهبنتهم وهدوءهم إن ترددت النّساء إلى أديرتهم؟ ألاّ يُهين هذه الإقصاء مفهوم الرهبنة وصورة الله في الإنسان؟ وبالمقابل، لماذا لا تفقد النساء- الراهبات الهدوء والتكريس بتردد العائلات والنّساء والرجال إلى أديرتهنَّ؟! لقد قررَ الرهبان ألاّ تسرق أية أنثى على الأرض الضّوء من العذراء مريم في الجبل، فأطاعت الحيوانات، أيضاً، أمرهم والتزموا العزوبية ونسيوا أمر الزواج والغريزة. هذا ويصبح الجبل المقدس ومع مرور الوقت، معيار استقامة الرأي في الكنيسة الأرثوذكسيّة، وترى الكنيسة نفسها مخطوفة من فئةٍ وتيار قفز إلى أعلاها ويفشي فيها تعاليم ذاتية من دون ضوابط علميّة لاهوتيّة إيمانيّة تُسرّ قلبَ الله الآب. فأُقصيَ التنوّع ووقعنا في فخّ الجهل ودوامة المُسلّمات والتابويات وشعارات الحفاظ على التقليد. فغابت مشيئة الله، وغاب التعليم اللاهوتي الآبائيّ المستقيم ليُستبدل بطوفان التأملات والحركاتِ الطقسيّة المدغدغة للمشاعر. وعصفَ التديّن الطقسيّ بكلّ تعاليم الرحمة والإنسانيّة والمحبّة التي فيه. قرأتُ في دراسة لأطباء نفسيين يقولون أنّ الدير أرضاً خصبة لدراسة الأمراض النفسيّة والعقد المتعلّقة بتشويه صورة الأنثى والأم والأخت لدى الإنسان، وما ينتجُ عنه من احتقار للمرأة والزواج والعالم. في عصرِ حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعيّة بين الجنسين وعيد المرأة العالمي، كلّ هذا ومازالت كنيستنا الأرثوذكسيّة تحصر المرأة إمّا في العالم كزوجةٍ وأمّ، وإمّا في الدّيرِ راهبةً، من دون تحسس الموهبة الّتي تميز كلّ امرأة عن الأخرى. وبالتالي، أصبحت شهادة الكنيسة لإيمانها الرسولي في وضعٍ حرجٍ أمام اتهامات العالم لها بعدم صلاحها لإعطاء الإنسان حلولاً خلاصيّة في وجوده. ويبقى أننّي أسف على رهبانٍ ينهارون أو يفقدون هَدفهم واختيارهم بالحياة أمام وجه امرأة هي على صورة الله. وهذا ليس بخُلقٍ أو طريق سويّ لا بلّ ما من شكّ بمرض يحتاج إلى علاج. ماريا قبارة
23 كانون ثاني 2022 عُذراً سيّدنا جورج، خضر، المعلّم الأنطاكي الكبير الّذي نجلّه. لو كانت الكنيسة الأنطاكيّة شركةٍ أو نادٍ اجتماعيّ لحَانَ وقت عزلها وسَحبِ الرُخصِ منها وإقفالها بالشّمع الأحمر! حزينةٌ أنا وموجوعة يا سيّدنا جورج، حالُ الكثيرين اليوم من أبناء كنيستي. كنتُ أخالُ أنّ الكنيسة ملجأٌ، لأنّ السيّد رأسها، ولكنّ إذ أيمّمُ شطري إليها أرى فيها كلّ ما أنا هاربة منه أصلاً وأفتقد فيها حبيبي ومخلصي يسوع المسيح. لا يمكن أن نتصوّر أنّ الكنيسة باتت مؤسسة لنموذجٍ مصغرٍ من المجتمع يحوي كلّ أمراضه ونزاعاته على السّلطة والنفوذ والمال! لا يمكن أن نتصوّر أنّ كنيستنا باتت بأيدٍ عبثية ديكتاتوريةٍ تغتال أصواتاً نبوية وتقتلُ أرواح أبناء الله. مؤسسة تدّعي أنّها تخبرُ النّاس عن حقيقة عالم الماورائيات، علّها تخبرنا ما يحدث في مَلفات خططها وما وراء جدرانها؟! جوّ من التكهربِ والخوف والعزلة والانصياع لكلمةٍ واحدة بالأمر والترهيب نعيشه اليوم على صفارة الظّلمِ وصغرِ النّفس، ونصرخُ من أعلى المدرّجات "اصلبه- اصلبه"، أو نصفّق ونهلّل كالبُلهاء! باتت الكنيسة في السّنوات الأخيرة ملعباً لتربية ممنهجة لسَحقِ كلّ صوتٍ يتكلّم وينتقد تصرفات وأفعال وسلوكِ القلّة القيّمة على الكنيسة. إنّها ثقافة الخضوع المُطلق والنفاق وتربية الجهلِ والاستكانة واللامبالاة، وإخفاء الحقائق عن المؤمنين واحتقار مواهب الناس، وتغييب العقول وتربية التسّلط والغرور والفَشخرة والأُبهة. كلّ هذا يعصفُ بنا أمام أزمة جديدة في الكنيسة، أزمة نخشى المعنى المتواري فيها أنّها أزمة في الرسميّين الكبار والقيّمين عليها. نحتاج إلى قرارٍ سريع وآنيّ لتبني الإصلاحات الواجبة في الكنيسة على مستوى القيادات والإدارات والممارسات والأوقاف والمال والتعليم اللاهوتي والتربويّ والاجتماعيّ...الخ. فالروائح النتنة والانحرافات والأمراض الروحيّة والنفسيّة والفكريّة باتت تضربُ بالكثيرين إلى مزيدٍ من الكراهية والتفشي والافتراءات الكاذبة. هذه المرحلة في التحوّل خطيرة جداً في الكنيسة، فهل تدفع المسيح للخروج نهائياً من وسطها؟! |
الكاتبماريَّا قباره، أرشيف
December 2022
مصنّفات |